مستقبل الروبوتات الطبية المستقلة في الطب الحديث
يشهد الطب التجديدي (Regenerative Medicine)، منذ العقد الماضي، تطورات متوالية بالموازاة مع التقدم الذي تعرفه الروبوتات الطبية المستقلة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يجعل الوعود التي يقدمها هذا النوع من العلوم الطبية قريبة المنال أكثر من أي وقت سابق.
ووفق تعريف وليام هيسلتاين، العالم الأمريكي البارز وكبير الباحثين في مجال السرطان والإيدز والجينات البشرية، يُقصد بالطب التجديدي تلك المجموعة من التدخلات التي تعيد الأنسجة والأعضاء التي تضررت بسبب المرض أو أصيبت بصدمة أو تآكلت بسبب الزمن، إلى أداء وظائفها الطبيعية.
يتطور هذا النوع من العلوم والممارسات الطبية يوما بعد يوم، لكن وتيرة التقدم أصبحت واعدة أكثر من أي وقت مضى بفضل التوجه نحو الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي المستخدم في الروبوتات الطبية وتحديدا ما يُسمى بالروبوتات الطبية المستقلة.
حاليا، توجد العديد من حالات استخدام الروبوتات الطبية في المجال الصحي وخاصة أثناء إجراء العمليات الجراحية. في هذا الصدد، يمكن استحضار مثال روبوت دافنشي شبه المستقل، وهي منظومة جراحية روبوتية تساعد الأطباء أثناء الإجراءات المعقدة.
لكن في الآونة الأخيرة، ظهرت جراحة روبوتية جديدة مستقلة تماما، قد تكون لها آثار ثورية على الممارسة الطبية الحديثة. ويتعلق الأمر بأحدث روبوت طبي مستقل يمكنه توجيه إبرة عبر الأنسجة الحية بدقة عالية، وفق ما جاء في مقالة منشورة بمجلة Science، للباحث آلان كونتز وزملائه.
وفي سياق حديثه عن هذا الروبوت الجديد، عبر وليام هيسلتاين، أبرز الباحثين في مجال السرطان والإيدز والجينات البشرية، في مقالة له بمجلة فوربس، عن آماله في مستقبل الجراحة الروبوتية المستقلة.
وقال في هذا الصدد “قد يكون هذا (روبوت آلان كونتز) هو الأول من بين العديد من الروبوتات المماثلة في المستقبل القريب”، وأضاف: “قد تقوم الروبوتات الطبية المستقلة بإجراء عمليات طبية كاملة عاجلا وليس آجلا”.
وحول الدور المحوري الذي يمكن أن يؤديه هذا النوع من الروبوتات الطبية، يرى وليام هيسلتاين أنه مع تقدم فهمنا للطب والعمليات الجراحية، تتزايد أيضا صعوبة وتعقيدات الجراحة؛ إذ تتطلب بعض العمليات الجراحية دقة هائلة، بحيث أن أدنى خطأ يمكن أن يؤدي إلى وفاة المريض.
من هنا تأتي أهمية استخدام الروبوتات الطبية المستقلة في العمليات الجراحية، والتي يمكن أن تكون نموذجية لدرجة التغلب حتى على حركات اليد اللاإرادية التي تحدث مع أمهر الجراحين وأكثرهم خبرة.
في هذا السياق، تبين أن النظام الآلي الذي وصفه آلان كونتز وزملائه، في مجلة Science، قادر على الانتقال بدقة في رئة الخنزير دون التسبب في ضرر، وتوجيه الإبرة إلى الموقع المستهدف بالتحديد.
يستخدم هذا النظام الآلي إبرة منقوشة بالليزر وقابلة للتوجيه ومرنة للغاية، وهي على عكس معظم الإبر الصلبة وغير المرنة، تتميز بكونها مثالية لعبور المسارات المنحنية النموذجية في البيئات الجراحية لتقليل خطر تلف الأنسجة القريبة.
ويعتمد الروبوت الجديد ثلاثة طرق ليظل مستقلا تماما ويتجنب التسبب في تلف الأنسجة القريبة، وهي: إعادة التخطيط والتحكم والنوافذ الزمنية للإدخال الآمن.
يُقصد بإعادة التخطيط عملية تعديل تتم في الوقت الفعلي على الخطة الجراحية المثبتة مسبقا بناء على تشريح المريض أو الأحداث الأخرى غير المتوقعة أثناء الجراحة.
أما التحكم فهو قدرة الروبوت على ضبط تحركاته دون تدخل الجراح، مما يسمح له بتعديل المسار بناء على خطوة إعادة التخطيط السابقة.
وأخيرا، يُقصد بالنوافذ الزمنية للإدخال الآمن مراحل دورة تنفس المريض التي يمكن فيها إدخال الإبر وتحريكها بأمان، والتي يراقبها الروبوت باستمرار في وقت واحد.
في اختبار خزعة الرئة على عضو خنزير أي عملية إزالة قطعة من النسيج أو عينة من الخلايا من أجل تحليلها في المختبر، حقق النظام المستقل أخطاء استهداف أقل من نصف قطر عقيدات الرئة ذات الصلة سريريا، مما يعني أنه في حالة مريض بشري حي، لن يحدث أي ضرر ملحوظ لأنسجة الرئة.
علاوة على ذلك، وجد كونتز وزملاؤه أن نظامهم الآلي كان أكثر دقة من تقنيات تنظير القصبات اليدوية القياسية (إجراء يُتيح للأطباء فحص الرئتين والمسالك الهوائية)، مما يشير إلى أن الروبوتات المستقلة قد تكون أكثر فعالية من البشر في مثل هذه الإجراءات المعقدة.
في هذا الصدد، أكد وليام هيسلتاين، الأستاذ السابق في كلية الطب بجامعة هارفارد وكلية هارفارد للصحة العامة، أن فوائد الروبوتات الطبية المستقلة في الإجراءات المعقدة واضحة؛ إذ ستؤدي زيادة الدقة إلى تقليل الأخطاء في الإعدادات الجراحية، كما أنه من المرجح أن تكمل الروبوتات الإجراء بشكل أسرع بكثير، “مما يوفر للمستشفى والطبيب والمريض وقتا ثمينا”.
ومع ذلك، لا ينفي هيسلتاين وجود بعض العيوب المرتبطة بدمج هذه الأنظمة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في نظام الرعاية الصحية؛ أول التحديات هو احتمال عطل الروبوتية سواء بسبب خطأ في الترميز أو بسبب تآكل منتظم مع مرور الوقت. وبالتالي يمكن أن تتعطل إحدى هذه الأجهزة أثناء العملية، مما قد يسبب مضاعفات كبيرة للمريض.
ثاني مصدر قلق هو التكلفة؛ إذ لن تكون هذه الروبوتات رخيصة الثمن ما يعني أن جزء منها سيتحمله المريض. الأمر الذي يطرح تحدي دمقرطة الولوج إلى هذا النوع من العلاجات؛ ففي حين أنها ستكون متاحة للذين يستطيعون تحمل تكاليفها، ستبقى بعيدة المنال ماليا لسنوات عديدة بالنسبة لأولئك الذين لا يتوفرون على تأمين صحي جيد.
ورغم ذلك يقول وليام هيسلتاين إنه “في نهاية المطاف، أرى وعدا كبيرا في إدخال الروبوتات الطبية المستقلة في البيئات الجراحية. هذا هو المستقبل الذي نتجه نحوه، لذا يجب علينا التأكد من أن هذه الأنظمة على أعلى مستوى من الجودة عند وصولها إلى مستشفياتنا”.
المصدر: فوربس
اقرأ أيضا: