تجربة أمريكية حديثة تعد بعلاج الشلل بشكل دائم
يحاول أكثر من 100 مليون شخص حول العالم التعايش مع نوع من أنواع الشلل أو ضعف الحركة أو فقدان الشعور. ويبقى الأمل في علاج الشلل ضئيل جدا؛ نظرا لمحدودية الخيارات المتاحة والعلاجات الممكنة.
لكن يبدو أن بوادر الأمل بدأت تظهر مع أحد أهم التجارب السريرية الناجحة التي قام بها مؤخرا أطباء وباحثون في معاهد فاينشتاين للأبحاث الطبية التابعة لجامعة نورثويل هيلت بالولايات المتحدة الأمريكية.
فلأول مرة، تمكن هذا الفريق من الباحثين في مجال الطب الإلكتروني الحيوي من إعادة القدرة على الحركة والشعور لرجل مصاب بالشلل الرباعي، عبر زرع خمس شرائح دقيقة في دماغه.
وقد سمحت هذه الشرائح المدعومة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التحفيز المتقدمة بإعادة ربط دماغ المريض بجسمه وحبله الشوكي، مما شكل جسرا إلكترونيا تتدفق عبره المعلومات بين جسم الرجل المشلول ودماغه لاستعادة الحركة والأحاسيس في يديه وتعزيز التعافي.
وُصف هذا الإنجاز الطبي ب “التاريخي” و “الأول من نوعه”، ومن المنتظر أن يُحدث ثورة في علاج مختلف أنواع الشلل ولاسيما الشلل الرباعي.
قائمة المحتويات:
ما هو الشلل الرباعي؟
الشلل الرباعي هو أحد أنواع الشلل الذي يصيب جميع أطراف جسم الإنسان من الرقبة إلى الأسفل، وقد يحدث نتيجة لبعض الحالات الطبية المختلفة، لكن السبب الأكثر شيوعا لهذا النوع من الشلل هو إصابة الحبل الشوكي في الرقبة.
يمكن أيضا تمييز نوعين من الشلل الرباعي: الأول؛ يسمى “غير كامل”، ويعني أن المريض قد يحتفظ ببعض القدرات على الحركة والشعور والتحكم في بعض وظائف الجسم التلقائية.
الثاني؛ يسمى “كامل”، ويتسبب للشخص المصاب في فقدان السيطرة على العضلات والقدرة على الشعور بالأحاسيس، وعدم التحكم في إدارة أي عملية تلقائية تعتمد على إشارات الدماغ.
فيما يتعلق بالعلاج، فإنه نادرا ما يكون ممكنا؛ حيث إن معظم حالات الشلل الرباعي، وخاصة الناتجة عن إصابات، تؤدي إلى شلل دائم يتطلب التعايش معه مدى الحياة.
كيف نجح فريق فاينشتاين في علاج الشلل الرباعي؟
في عام 2020، تعرض كيث توماس، أول شخص يستفيد من هذه التكنولوجيا، لحادثة غوص تسببت في إصابته على مستوى العمود الفقري، مما أدى تضرر الحبل الشوكي والإصابة بالشلل من تحت الرقبة إلى الأسفل.
بعد أزيد من ستة أشهر من الوحدة والتفكير المتعب في وضعه الجديد، سيلوح له أمل جديد من خلال المشاركة في التجربة السريرية للبروفيسور تشاد بوتون، مطور هذه التقنية، وفريقه.
وقبل تنفيذ العملية الجراحية، أمضى الباحثون والأطباء والمهندسون أشهرا في رسم خرائط لدماغ توماس، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، لتحديد المناطق المسؤولة عن حركة الذراع وعن الإحساس باللمس في يده.
بعدما تزودوا بجميع المعلومات الضرورية، أجرى أشيش ميهتا، جراح أعصاب، عملية جراحية ماراثونية على دماغ المريض، استمرت لمدة 15 ساعة.
كان المريض مستيقظا وواعيا أثناء فترات من الجراحة، ليقدم للأطباء تعليقات وردود فعل فورية؛ بحيث كان يخبرهم عن الأحاسيس التي يشعر بها في يديه أثناء فحصهم لأجزاء من سطح دماغه.
في هذا الصدد، يقول ميهتا إنه نظرا لأن المريض كان يتحدث إلينا أثناء أجزاء من الجراحة التي أجراها، عرفنا بالضبط المكان الذي يجب أن نزرع فيه الشرائح.
هكذا زرعوا خمس شرائح في دماغ توماس؛ “لقد أدخلنا شريحتين في المنطقة المسؤولة عن الحركة وثلاثة أخرى في جزء الدماغ المسؤول عن اللمس والشعور بالأصابع”.
بعد إجراء العملية الجراحية:
يقول كيث توماس، بعدما أجرى العملية، “كان هناك وقت لم أكن أعرف فيه ما إذا كنت سأعيش، أو إذا كنت أرغب في ذلك، بصراحة. والآن، أستطيع أن أشعر بلمسة شخص ما يمسك بيدي”.
فبالعودة إلى المختبر ومن خلال منفذين بارزين من رأس المريض، تم توصيله بجهاز كمبيوتر يستخدم الذكاء الاصطناعي لقراءة أفكاره وتفسيرها وترجمتها إلى أفعال، وهو ما يعرف باسم العلاج القائم على الفكر الذي يشكل أساس نهج هذه التجربة.
سمح ذلك لتوماس بتحريك ذراعيه حسب رغبته والشعور بلمسة أخته وهي تمسك بيده، وهي المرة الأولى التي يشعر فيها بأي شيء خلال السنوات الثلاث التي تلت الحادث.
وبخصوص كيف تجري العملية، يوضح تشاد بوتون، مطور التقنية، أنه عندما يفكر المشارك في تحريك ذراعه أو يده “فإننا نشحن حبله الشوكي ونحفز دماغه وعضلاته للمساعدة في إعادة بناء الروابط، وتقديم ردود فعل حسية وتعزيز التعافي”.
وبالتالي فإن العملية تتم كما يلي: عندما ينوي المريض القيام بحركة ما أو يفكر فيها، يتم إرسال إشارات كهربائية من الشرائح المزروعة في دماغه إلى جهاز كمبيوتر.
بعد ذلك، يرسل الكمبيوتر بدوره، من خلال استخدام خوارزميات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، إشارات إلى الأقطاب الكهربائية والمستشعرات الإلكترونية الموضوعة على عموده الفقري وعضلات يده، من أجل تحفيز يده على الإحساس وأداء الحركات وتعزيز التعافي.
اقرأ أيضا: إنترنت الحواس: كيف سيتم اختراق الدماغ البشري؟
لماذا هي التجربة “الأولى من نوعها”؟
قد لا تكون هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها عن تجربة لمحاولة علاج الشلل؛ إذ ظهرت مجموعة من التجارب السابقة التي نجحت بالفعل في تحريك الأطراف المشلولة انطلاقا من أفكار ونوايا المريض.
لكن هذه العملية لا تنجح إلا أثناء توصيل المشاركين بأجهزة الكمبيوتر، والتي غالبًا ما تكون متاحة فقط في المختبرات. كما أنها لا تحفز التعافي الطبيعي طويل الأمد، وبالتالي سيكون تحريك الأطراف رهين بالتواجد داخل المختبر.
هذا هو المعطى الأساسي الذي يشكل الفرق بين التجارب السابقة وتجربة فريق فاينشتاين؛ حيث إنها أظهرت بعض علامات التعافي الطبيعي، فقد تضاعفت قوة ذراع المشارك منذ بداية التجربة، وبدأ يشعر بأحاسيس جديدة في ساعده ومعصمه، حتى عند إيقاف تشغيل النظام.
وبالتالي، فإن التجربة تهدف إلى استعادة حاسة اللمس والحركة الجسدية بشكل دائم أي خارج مختبر الأبحاث، إذ يأمل الفريق أن يتعلم الدماغ والجسم والحبل الشوكي من جديد كيفية التواصل عبر تشكيل مسارات جديدة في موقع الإصابة.
في هذا الصدد يقول تشاد بوتون: “هذا النوع من العلاج المبني على الفكر يغير قواعد اللعبة. هدفنا هو استخدام هذه التكنولوجيا يوما ما لمنح الأشخاص المصابين بالشلل القدرة على عيش حياة أكمل وأكثر استقلالية”.
أمل جديد لعلاج الشلل بشكل دائم:
قد تفتح هذه التجربة السريرية الرائدة آفاقا غير مسبوقة لعلاج الشلل تتجاوز قصة النجاح هذه وتغير حياة المزيد من الأشخاص. ويبقى ذلك رهين بالتنفيذ الناجح لهذه التقنية واستمرار التقدم التكنولوجي وإنتاج المعرفة الطبية الإلكترونية الحيوية، مما قد يسمح يوما ما، إلى جانب التعافي من الشلل، بعلاج مجموعة من الأمراض والإصابات اعتمادا على أعصابنا ودون استخدام أدوية باهظة الثمن وضارة أحيانا.