إنترنت الحواس: كيف سيتم اختراق الدماغ البشري؟
كانت البداية مع نقل الصوت، التي تجاوزت آنذاك حدود استيعاب الإنسان واعتبرت أقصى ما يمكن أن تجود به قريحة البشر، وهو السيناريو نفسه الذي سيتكرر مع الوصول لإمكانية نقل الصور ثم الصور المتحركة إلى أن أصبحت مكالمات الفيديو روتينا يوميا.
حاليا، وبعدما أصبح الفيديو ثنائي الأبعاد تجربة فريدة متاحة للجميع، انتقلنا لتقنية الواقع المعزز والواقع الافتراضي التي تتيح عيش تجربة ثلاثية الأبعاد بتفاصيل أقرب للواقع المادي.
لكن السعي لم يقف عند هذا الحد، فاليوم ومع توالي التطورات التكنولوجية وارتفاع وثيرة الحديث عن تقنيات في انتظار تطوريها خلال السنوات القليلة المقبلة، وخاصة تقنية 6G، بدأت تظهر مفاهيم جديدة كإنترنت الأشياء (IoT).
غير أن الطموح تجاوز “الأشياء” ليصل إلى تقنية أكثر تمحورا حول الإنسان تُسمى اليوم “إنترنت الحواس” (IoS)، التي يمكن اعتبارها حاليا “آخر صيحات” الابتكار في هذا المجال.
قائمة المحتويات:
ما هو إنترنت الحواس (IoS)؟
إنترنت الحواس (IoS) مقابله باللغة الإنجليزية “Internet of Senses“، هو نوع من التكنولوجيا المتقدمة التي ستسمح للبشر بالحصول على تجارب حسية رقمية شبيهة تماما بالتجارب الحسية في الواقع المادي، أي أن البصر والسمع والذوق والشم واللمس سيتم عبر الإنترنت، من خلال استخدام الدماغ كواجهة.
وبالتالي، سيقلص إنترنت الحواس الفرق بين التجارب الحسية المادية والرقمية، من خلال مزج التجارب الرقمية متعددة الحواس مع محيطنا الواقعي، مما سيسمح بالتفاعل مع الأشخاص والأشياء والأجهزة والروبوتات كما لو كانوا أمامنا مباشرة في حين أنهم على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات.
وستكون هذه التكنولوجيا قادرة على تلقي المدخلات أو الأوامر مباشرة من العقل وتقديمها في شكل حواس مختلفة بجهد بسيط وفي مدة زمنية شبه منعدمة أي في اللحظة نفسها.
ولتنفيذ هذه المهمة المعقدة، سيعتمد إنترنت الحواس على مجموعة من التقنيات الأخرى كالذكاء الاصطناعي (AI)، والواقع الافتراضي (VR)، والواقع المعزز (AR)، و تكنولوجيا الجيل السادس 6G، والأتمتة.
هذا المزيج بين مختلف هذه التقنيات هو الذي سيمكن إنترنت الأشياء من تقديم تجربة حسية متكاملة، ليسمح لأي شخص في أي مكان أن يشم ويلمس ويتذوق مثلا طعم طبق على بعد آلاف الكيلومترات.
كيف ستصبح الحياة في عصر إنترنت الحواس؟
إن إنترنت الحواس (IoS) هي إحدى التقنيات الثورية الجديدة التي ستغير حياتنا تماما خلال العقد القادم. فاليوم، ورغم كل ما يُقال حول حجم التغيير الذي ألحقته التكنولوجيا الرقمية بحياتنا، إلا أنها لا تستخدم بشكل أساسي إلا حاستي السمع والبصر.
لكن، قد لا يمر وقت طويل حتى نتمكن من استخدام باقي الحواس، ليصبح من العادي أن نلمس ونشم ونتذوق ونشعر بالأشياء الرقمية بطريقة يصعب تمييزها عن الواقع.
كل الحواس؟
إنه الانغماس المتعدد الحواس في الفضاء السيبراني، الذي سيمكنك مثلا من معرفة مذاق نوع من الآيسكريم أو مشروب معين أو طبق محلي قبل شرائه من الإنترنت.
إن الشيء المميز أكثر في إنترنت الحواس هو قدرته على تقديم تجربة “متعددة الحواس”، لأنه يوجد بالفعل حاليا تجارب تمكنك مثلا من التجوال وسط شوارع لندن(السمع، البصر)، أو بعض الأجهزة للتذوق (الذوق)، أو بعض وحدات التحكم المصممة خصيصا للحصول على أحاسيس لمسية…
غير أن الفرق الأساسي يكمن في كونها لا تقدم تجربة غامرة ومتكاملة تمتزج فيها كل الحواس، في حين يمكن مثلا أن يسمح إنترنت الحواس بنفس تجربة التجوال بشوارع لندن، لكن بشكل لا يختلف عن الواقع.
إذ يمكنك إلى جانب رؤية البنايات والمتاحف وسماع ضجيج الشارع أو كلمات عابرة، أن تشعر بدفء الجو أو نسيم الريح على وجهك، وتشم رائحة عطور المارة أو أطباق المطاعم…
تنفيذ أوامر الدماغ أو قراءة الأفكار؟
سيكون أنترنت الأشياء قادرا على تنفيذ أوامر الدماغ، من خلال تفسيرها وتحويلها إلى إجراءات محددة؛ إذ يمكنك مثلا أن تتخيل طبقا أو شرابا معينا في ذهنك، وتستعين بجهاز تحفيز بسيط يقوم بتعديل مجموعة معينة من الأعصاب، لتحصل على التجربة المناسبة المطلوبة، وقس على ذلك…
يمكن أن تشمل هذه التقنية أيضا قدرات التنبؤ المتقدمة التي من المحتمل أن تسمح باستباق وتفسير آلي لما نفكر فيه وإكمال المهمة حتى قبل أن نصدر أمرًا مناسبًا لذلك.
اختفاء الهواتف الذكية؟
سيكون إنترنت الأشياء (IoS) قادرًا على التخلص من معظم أجهزة واجهة الإنسان والآلة (HMI)، أي تلك الأجهزة التي تسمح بتوصيل الإنسان بآلة أو نظام معين.
وبالتالي ستختفي لوحات المفاتيح والفئران وأذرع التحكم وواجهات المستخدم التي تعمل باللمس، مقابل الاعتماد فقط على نظارات الواقع المعزز (AR) المتقدمة للمساعدة البصرية. ويمكن أن يحل هذا النوع من النظارات محل الهواتف الذكية أيضًا.
اقرأ أيصا: إنترنت الأشياء .. ماذا تحقق وماذا ينتظرنا ؟
نحو ميتافيرس Metaverse أكثر واقعية؟
إن تكامل إنترنت الحواس (IoS) مع التقنيات والبيئات الرقمية مثل ميتافيرس Metaverse سيجعل الواقع الافتراضي أقرب إلى الواقع المادي؛ بحيث سيتحول الميتافيرس إلى مساحة رقمية قابلة للعيش والحياة وممارسة بعض الأنشطة اليومية.
التطبيقات المحتملة لإنترنت الحواس في عدة مجالات حيوية
الطموح للعيش في عالم إنترنت الحواس ليس مجرد شكل من أشكال المبالغة في الترفيه، كما أن أغلب الأمثلة السابقة المستلهمة من الأنشطة اليومية للإنسان، كانت بغرض تبسيط شرح هذا النوع من التكنولوجيات، وبالتالي فهي لا تلخص كل “الوعود الجدية” لهذه التقنيات.
إذ ستكون هناك العديد من التطبيقات المحتملة لتلبية مجموعة من الاحتياجات الملحة في كثير من المجالات الحيوية، وتحديدا مجال الرعاية الصحية والطب والاقتصاد والتصنيع والتجارة…
المجال الصحي:
يمكن أن يستفيد الطب بسهولة وبشكل مباشر من إنترنت الحواس؛ بحيث سيكون الأطباء قادرين على فحص المرضى ومراقبتهم وتقديم الرعاية اللازمة لهم عن بعد.
أكثر من ذلك، لن يكون الطبيب الجراح أو المريض مضطرا للتنقل أو السفر من أجل إجراء عملية جراحية؛ إذ يمكن إجراؤها عن بعد عن طريق توصيل غرفة العمليات بالإنترنت بسرعة الاتصال اللازمة.
من جهة أخرى، يمكن لإنترنت الحواس أن يساعد بعض المرضى على استعادة حواسهم؛ فبسبب العلاج الكيميائي يمكن أن يفقد المريض حاسة التذوق مثلا، لكن مع الأجهزة اللازمة، يمكنه استعادة استخدام براعم التذوق أو أي حاسة مفقودة.
التجارة الإلكترونية E-Commerce:
ستتمكن التجارب الحسية الرقمية من إعادة تشكيل العديد من الصناعات الاستهلاكية بشكل جذري، وبالتالي تغيير طريقة تفاعلنا مع مراكز التسوق الرقمية.
فمن المنتظر أن يفتحوا طرقًا جديدة تمامًا للتواصل مع المستهلكين وخلق القيمة وتسويق السلع والمنتجات والعلامات التجارية. ففي السنوات القادمة، قد تكون مراكز التسوق الرقمية قادرة على تقديم الرائحة والملمس والمذاق لجعل تجارب التسوق عبر الإنترنت لا تختلف تماما عن المتاجر التقليدية.
من جهة أخرى، يمكن أن يحدث التلاعب الرقمي في الذوق ثورة حقيقية في صناعة الأغذية، من خلال تقديم تجارب أطعمة جديدة ومفيدة دون أي عيوب صحية.
صناعة ألعاب الفيديو Video Game Industry:
تمكنت تقنية الواقع الافتراضي (VR) من اتخاذ خطوة متقدمة جدا إلى الأمام بفضل صناعة ألعاب الفيديو. تقدم الميتافيرس اليوم تجربة مدهشة بواسطة مجموعة من الأدوات والتقنيات المتخصصة.
لكن مع استخدام إنترنت الحواس، من المتوقع أن تتقدم هذه الصناعة بأشواط إضافية ستغير تماما عالم ألعاب الفيديو لتجعل منه تجربة تمتزج بالواقع بشكل يصعب التمييز فيه بين الواقعي والافتراضي.
تشمل التطبيقات المحتملة الأخرى تمكين الأشخاص من احتضان الأصدقاء والعائلة على بعد مئات الكيلومترات، وتمكين الشركات من عقد اجتماعات افتراضية دون أي تأخير أو حاجة للتنقل، كما يمكن تجربة الأفلام والإعلانات بطريقة جديدة وغامرة تماما.
هل سيصبح إنترنت الحواس حقيقة؟
الجواب نعم، لكن ذلك رهين بتوفير مجموعة من الشروط والتقنيات الأخرى، فإدراك الواقع الحسي الجسدي المعزز يعتمد على العديد من العوامل، لذا فالنضج التكنولوجي الكافي هو خطوة أساسية لتحقيق المشروع.
إذ يتطلب إنترنت الأشياء (IoS) تحقيق تطور كبير في منصات الحوسبة بما في ذلك أنظمة الواقع الممتدة، وواجهات كمبيوتر الدماغ، ووحدات المعالجة، وغيرها.
كما يجب أن تتسع خوارزميات الذكاء الاصطناعي لهذه العملية، لتكون قادرة عل التمييز والتعامل مع الحجم الهائل من البيانات المتزايدة التعقيد.
هذا بالإضافة إلى ضرورة استثمار المزيد من الجهد والبحث للتمكن من خداع الجسد لقبول الحواس التي تم إنشاؤها رقميا، بحيث لا يمكن أن تنجح العملية إلا إذا كانت الحواس مماثلة تماما للحواس الفعلية، وبالتالي فإن نجاح (IoS) يرتبط مباشرة بمدى قدرة النظام المطور على محاكاة ما يحدث بالفعل في الجهاز العصبي.
دور تقنية الجيل السادس 6G:
عندما نتحدث عن الانغماس المتعدد الحواس والتجارب الغامرة، فإن ذلك يفترض نطاقا تردديا عاليا لتحويل زمن الانتقال إلى شبه منعدم أو التخلص منه تماما.
بحيث سيتطلب إرسال واستقبال جميع حواسنا نطاقا تردديا كبيرا ودرجة عالية من التزامن بين تدفقات البيانات المختلفة ذات الحجم الكبير جدا.
وبالتالي ستحتاج هذه التجربة عرض نطاق وقدرة أكبر بكثير مما توفره تقنية الجيل الخامس (5G) في الوقت الحالي، لذا فالجيل السادس (6G) يُصبح شرطا أساسيا لإعداد إنترنت الحواس (IoS)، من منظور الاتصالات على الأقل.
اقرأ أيضا: تقنية الجيل السادس 6G: كيف ستعيد تشكيل عالمنا؟
هل سيكون إنترنت الحواس (IoS) متوفرا بحلول 2030؟
يتوقع الخبراء أن تكون تطبيقات إنترنت الحواس متاحة بحلول سنة 2030، وقد تم الترويج لهذا الأمر بشكل كبير من طرف شركة إريكسون السويدية، كجزء من رؤيتها لقطاع الاتصالات سنة 2030، وهو التاريخ المتوقع أيضا لإصدار الجيل السادس 6G.
التحديات والمخاوف المرتبطة بإنترنت الحواس (IoS)
لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه قبل أن تصبح إنترنت الحواس حقيقة واقعة، كما أن هناك العديد من التحديات التي يتعين التغلب عليها، إلى جانب تقديم ضمانات حول مجموعة من المخاوف.
إذ سيكون إنترنت الأشياء بالتأكيد من أهم الابتكارات التي تم إجراؤها على الإطلاق، لكن لا يجب أن يمنعنا هذا التفاؤل من إلقاء نظرة نقدية فاحصة على ما يمكن أن يحدث لحظة وصوله، فلا شك أنه لا يخلو من عيوب.
على هذا الأساس، يمكن عرض أهم هذه المخاوف والتحديات كما يلي:
القرصنة وقراءة العقول:
إن القرصنة بجميع أنواعها تجعل الأنظمة المتنقلة حاليا عرضة للخطر، وبالتالي يصبح من الصعب ضمان عدم تحايل بعض المتسللين على هذه التكنولوجيا واستخدامها لصالحهم من خلال قراءة العقول والأفكار.
فراغ قانوني:
يجب ألا يظل الجانب القانوني صامتا في هذا الصدد؛ إذ تنشأ مشاكل كبيرة مع التكنولوجيا الحالية بسبب الفراغ القانوني. فعلى سبيل المثال، لا يزال القانون غامضا بخصوص تقنية البلوكتشين blockchain، وبالتالي توجد صعوبات كثيرة أثناء المعاملات.
أمان البيانات والمعلومات الحساسة:
كثيرا ما تعرضت البيانات الضخمة لتسرب المعلومات والأنظمة للاختراق، لذا هناك مخاوف عديدة من أن يتعرض المستخدمون للخداع من قبل النظام لتقديم بيانات ومعلومات حساسة.
وبالتالي فإن ضمان أمان البيانات التي تم جمعها يبقى مهما بشكل خاص لإقناع المستخدمين بتبني حلول إنترنت الحواس (IoS)، هذا بالإضافة طبعا وضع إطار قانوني وبيئة قانونية موثوقة.