ذكاء اصطناعي AI

الإمارات تدخل عصر الذكاء الاصطناعي: مشروع ستارغيت يضع أبوظبي على خريطة التكنولوجيا العالمية

هل ستحصل على ChatGPT Plus مجانا؟ كل ما تحتاج معرفته عن أكبر شراكة تقنية في تاريخ المنطقة

في يوم واحد، تغيرت معادلة الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى الأبد. في الثاني والعشرين من مايو 2025، أعلنت شركة OpenAI الأمريكية ودولة الإمارات عن شراكة استراتيجية لبناء واحد من أكبر مراكز الذكاء الاصطناعي في العالم، في خطوة تهدف إلى جعل أبوظبي مركزا تقنيا إقليميا مؤثرا.

لكن الأمر لا يتوقف عند بناء مركز بيانات ضخم. هذه الشراكة تحمل في طياتها إعادة تشكيل للخريطة الجيوسياسية للتكنولوجيا، وتحولا جذريا في طريقة تعامل الدول مع ثورة الذكاء الاصطناعي، وربما – إذا صدقت التقارير – فرصة ذهبية لملايين المقيمين في الإمارات للحصول على أقوى أدوات الذكاء الاصطناعي في العالم دون دفع فلس واحد.

مشروع بقوة خمسة مفاعلات نووية

تخيل مركز بيانات يستهلك من الكهرباء ما يكفي لإضاءة مدينة بحجم دبي بأكملها. هذا ما يخطط له مشروع ستارغيت في أبوظبي، الذي سيبدأ بقدرة جيجاوات واحد – أي ألف ميجاوات – ليتوسع لاحقا إلى خمسة جيجاوات كاملة.

للمقارنة، محطة براكة للطاقة النووية في الإمارات تنتج حوالي 5.6 جيجاوات، بينما سيستهلك هذا المركز وحده قرابة 90% من هذه الطاقة. هذا ليس مجرد مشروع تقني، بل استثمار ضخم في مستقبل الدولة يضعها في موقع فريد عالميا.

المركز سيمتد على مساحة عشرة أميال مربعة – أي حوالي 26 كيلومتر مربع – وهي مساحة تزيد عن إمارة عجمان بأكملها. وفقا للخطة، ستدخل أول 200 ميجاوات من المشروع حيز التشغيل في عام 2026، في توقيت مثالي يتزامن مع احتفالات الدولة بعامها الخامس والخمسين.

التقنية التي تعيد تعريف السرعة

قلب المشروع يكمن في تقنية Nvidia Grace Blackwell GB300، وهي أحدث ما توصلت إليه صناعة المعالجات. كل نظام من هذه الأنظمة يحتوي على 72 وحدة معالجة رسوميات و36 وحدة معالجة مركزية، تعمل معا في تناغم مثالي لتقديم قوة حاسوبية تفوق كل ما سبقها بـ 70 مرة.

الأرقام مبهرة: كل نظام يحتوي على 288 جيجابايت من الذاكرة فائقة السرعة، ويمكنه نقل البيانات بسرعة 130 تيرابايت في الثانية الواحدة. لتتخيل هذه السرعة، فإن النظام يستطيع تحميل كامل محتوى مكتبة الكونغرس الأمريكية – التي تحتوي على 17 مليون كتاب – في أقل من دقيقة واحدة.

لكن هذه القوة تأتي بثمن: كل نظام يحتاج إلى تبريد سائل كامل، تماما مثل محركات السيارات الرياضية أو الصواريخ، لأن الحرارة المتولدة تصل إلى مستويات تستطيع إذابة المعادن العادية.

G42: قصة تحول من بكين إلى واشنطن

في قلب هذه الشراكة تقف شركة G42 الإماراتية، التي تأسست في 2018 وتحولت خلال سبع سنوات فقط من شركة ناشئة محلية إلى عملاق تقني بقيمة مليارات الدولارات. تحت قيادة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي، نجحت الشركة في بناء أقوى نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية في العالم.

لكن رحلة G42 لم تكن مفروشة بالورود. في عام 2023، وجدت نفسها في مرمى النيران من الكونغرس الأمريكي بسبب علاقاتها التجارية مع شركات صينية، في ذروة التوتر التجاري بين واشنطن وبكين. النائب الأمريكي مايك جالاغر اتهم الشركة علنا بالتعامل مع شركات مدرجة على القائمة السوداء الأمريكية، بما في ذلك عملاق الاتصالات هواوي.

القرار الذي اتخذته G42 كان جذريا ومكلفا: التخلص من جميع استثماراتها في الصين، وإزالة كافة المعدات الصينية من أنظمتها، وقطع كل الروابط التجارية مع الشركات الصينية. هذا القرار الاستراتيجي كلف الشركة مئات الملايين من الدولارات، لكنه فتح لها الباب لدخول النادي الأمريكي الحصري للتكنولوجيا المتقدمة.

النتيجة؟ في أبريل 2024، أعلنت مايكروسوفت عن استثمار 1.5 مليار دولار في G42، في صفقة دعمتها الحكومتان الأمريكية والإماراتية بضمانات أمنية غير مسبوقة. براد سميث، رئيس مايكروسوفت، انضم شخصيا إلى مجلس إدارة الشركة الإماراتية، في إشارة واضحة لعمق الشراكة الاستراتيجية.

الحقيقة وراء ChatGPT المجاني

السؤال الذي يشغل بال الجميع: هل ستحصل فعلا على ChatGPT Plus مجانا إذا كنت تعيش في الإمارات؟

الجواب المختصر: لا أحد يعرف بعد.

رغم أن عشرات المواقع الإخبارية أعلنت أن “جميع سكان الإمارات سيحصلون على ChatGPT Plus مجانا”، فإن الأمر ليس بهذه البساطة. عندما نقرأ البيان الرسمي لشركة OpenAI بعناية، نجد أنه يتحدث عن شيء مختلف تماما: جعل الإمارات “أول دولة في العالم تُطلق ChatGPT في جميع أنحائها”.

لكن ماذا يعني “إطلاق ChatGPT في جميع أنحاء الدولة” بالضبط؟ هل يعني إعطاء اشتراكات مجانية لجميع السكان؟ أم يعني دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية والمدارس والمستشفيات؟

هل يعني هذا أن الحكومة الإماراتية ستشتري اشتراكات ChatGPT Plus لجميع المقيمين البالغ عددهم حوالي 10 ملايين شخص؟ من الناحية المالية، هذا ممكن تماما. التكلفة السنوية ستبلغ حوالي 2.4 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم لكنه يبقى ضمن الإمكانيات المالية للدولة.

من الناحية الاستراتيجية، هذا الاستثمار منطقي تماما. توفير أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لجميع السكان سيخلق ميزة تنافسية هائلة في سوق العمل العالمي، وسيسرع من تطوير اقتصاد المعرفة، وسيجعل الإمارات وجهة جذابة للمواهب العالمية.

لكن بحسب مصادر مطّلعة على المفاوضات، فإن هذا الجانب من الاتفاقية ما زال قيد النقاش ولم يتم الانتهاء من تفاصيله بعد. الأمر الوحيد المؤكد حاليا هو أن ChatGPT سيصبح متاحا “على مستوى البلاد” لدعم القطاعات الحكومية والتعليمية والصحية.

معركة القرن في عالم التكنولوجيا

هذه الشراكة لا تحدث في فراغ، بل في خضم معركة جيوسياسية حامية الوطيس بين الولايات المتحدة والصين للسيطرة على مستقبل الذكاء الاصطناعي. في يناير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مشروع ستارغيت الأصلي، بميزانية ضخمة تصل إلى 500 مليار دولار على مدى أربع سنوات.

الهدف واضح: ضمان الهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، ومنع الصين من تحقيق السبق التكنولوجي. في هذا السياق، تصبح الشراكة مع الإمارات أكثر من مجرد صفقة تجارية – إنها تحالف استراتيجي لإدماج المنطقة في النظام التكنولوجي الأمريكي.

الصين، من جانبها، لا تقف مكتوفة الأيدي. الحكومة الصينية تستثمر مئات المليارات في تطوير ذكاء اصطناعي محلي قادر على منافسة النماذج الأمريكية، بينما تحاول شركات مثل Alibaba وBaidu وDeepSeek كسر الاحتكار الأمريكي في هذا المجال.

نموذج اقتصادي جديد: الاستثمار المتبادل

ما يميز هذه الشراكة هو نموذج “الاستثمار المتبادل” المبتكر. الإمارات لا تكتفي باستضافة مركز البيانات، بل تلتزم بمطابقة كل دولار تستثمره محليا بدولار آخر في البنية التحتية الأمريكية.

وفقا لتقديرات وكالة Axios، قد تصل الاستثمارات الإجمالية إلى 20 مليار دولار، موزعة بالتساوي بين البلدين. هذا النموذج يحقق أهدافا متعددة: يضمن للولايات المتحدة تدفق رؤوس الأموال الخارجية لتمويل طموحاتها التكنولوجية، ويوفر للإمارات ضمانات إضافية لاستمرارية الشراكة حتى لو تغيرت الإدارات الأمريكية.

تحديات حقيقية تحتاج حلول إبداعية

المشروع الضخم يواجه تحديات جمة، أولها التحدي البيئي. في دولة تعاني أصلا من ندرة المياه العذبة، كيف ستوفر الكميات الهائلة من المياه المطلوبة لتبريد هذه الأنظمة؟

الحل يكمن في تقنيات التبريد المتطورة. أنظمة التبريد السائل الجديدة تستهلك مياه أقل بنسبة 60% من الأنظمة التقليدية، بينما تعتمد الإمارات بشكل متزايد على محطات تحلية المياه المدعومة بالطاقة الشمسية والنووية النظيفة.

التحدي الثاني يتعلق بالطاقة. كيف ستوفر الإمارات الكهرباء الإضافية المطلوبة دون زيادة الانبعاثات الكربونية؟ الاستراتيجية تعتمد على التوسع السريع في مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة مع انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية إلى مستويات قياسية جديدة في المنطقة.

أما التحدي الثالث فيتعلق بالكوادر البشرية. المشروع يحتاج إلى آلاف المهندسين والمتخصصين في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والحوسبة عالية الأداء. الحكومة الإماراتية أطلقت برامج تدريب متخصصة بهدف إعداد 10 آلاف متخصص بحلول 2030، بالشراكة مع أفضل الجامعات العالمية.

المنافسة الإقليمية تشتعل

دخول الإمارات بقوة إلى سباق الذكاء الاصطناعي يعيد ترتيب أوراق المنافسة الإقليمية. المملكة العربية السعودية، التي كانت تتصدر المشهد التقني في المنطقة، تجد نفسها أمام منافس قوي يتقدم بخطوات سريعة.

السعودية تستثمر عبر صندوق الاستثمارات العامة في مشاريع مماثلة، لكن بقدرات أصغر تبلغ حوالي 500 ميجاوات فقط. إسرائيل، رغم تقدمها التقني، تفتقر إلى الموارد المالية الضخمة المطلوبة لمشاريع بهذا الحجم. قطر تحاول اللحاق بالركب من خلال شراكة مع Google Cloud، لكن بنطاق محدود.

هذا يضع الإمارات في موقع فريد كمركز إقليمي لا منافس له في مجال الذكاء الاصطناعي. الموقع الجغرافي لأبوظبي مثالي لتقديم خدمات الذكاء الاصطناعي بسرعة عالية للبلدان المحيطة – من الهند شرقا إلى تركيا شمالا ومصر غربا وكينيا جنوبا – وهي منطقة يعيش فيها مليارات البشر.

ماذا يعني هذا للمقيم العادي؟

بعيدا عن الأرقام الضخمة والمصطلحات التقنية، ماذا يعني هذا المشروع للشخص العادي الذي يعيش في الإمارات؟

أولا، ستشهد القطاعات الحيوية تطورا جذريا. في المستشفيات، قد نرى أنظمة ذكية تشخص الأمراض بدقة فائقة وتقترح علاجات مخصصة لكل مريض. في المدارس، سيحصل كل طالب على مساعد ذكي شخصي يساعده في التعلم بالطريقة التي تناسبه. في الشركات، ستتولى أنظمة الذكاء الاصطناعي المهام الروتينية، مما يفسح المجال للموظفين للتركيز على الأعمال الإبداعية.

ثانيا، ستتحسن كفاءة الخدمات الحكومية بشكل كبير. تخيل أن تتمكن من إنهاء جميع معاملاتك الحكومية في دقائق معدودة، أو أن تحصل على موافقات فورية لرخصة القيادة أو جواز السفر. هذا ليس خيالا، بل ما تخطط الحكومة الإماراتية لتحقيقه.

ثالثا، ستظهر فرص عمل جديدة تماما. مهن لم تكن موجودة من قبل ستصبح شائعة، مثل مهندس الحوار مع الذكاء الاصطناعي، أو مدقق أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، أو مصمم التجارب الذكية.

النظرة المستقبلية: ثلاثة احتملات

بناء على تحليل المعطيات المتاحة والتجارب العالمية المشابهة، يمكن تخيل ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل هذا المشروع:

السيناريو الأول – النجاح الكامل: يحقق المشروع جميع أهدافه المعلنة، وتصبح الإمارات مركزا عالميا للذكاء الاصطناعي يجذب أفضل الشركات والمواهب. في هذه الحالة، قد نشهد انتقال مقار إقليمية لعمالقة التكنولوجيا إلى أبوظبي، وتحول الدولة إلى “سيليكون فالي الشرق الأوسط”.

السيناريو الثاني – النجاح الجزئي: يواجه المشروع تأخيرات وتحديات تقنية، لكنه ينجح في تحقيق أهدافه الأساسية خلال فترة زمنية أطول من المخطط له. هذا السيناريو الأكثر واقعية، بناء على تجارب مشاريع مماثلة في دول أخرى.

السيناريو الثالث – التحديات الكبرى: يواجه المشروع عقبات جوهرية في التمويل أو التنفيذ، مما يؤدي إلى تقليص نطاقه أو تأجيل تنفيذه. احتمالية هذا السيناريو منخفضة نظرا لقوة الدعم الحكومي والشراكات الاستراتيجية المتينة.

في النهاية، مشروع ستارغيت الإمارات هو رهان كبير على مستقبل الذكاء الاصطناعي. رهان على أن هذه التقنية ستغير كل شيء في حياتنا، من الطريقة التي نتعلم بها ونعمل ونتواصل، إلى الطريقة التي نفكر بها في حل المشاكل الكبرى مثل تغير المناخ والأمراض والفقر. إذا نجح هذا الرهان، فإن الإمارات ستكون في موقع فريد لقيادة المنطقة في عصر الذكاء الاصطناعي.

اقرأ أيضا:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى