تنمية مستدامة

فشل تجربة التعليم عن بعد .. خلاصة أحدث تقرير لليونسكو

صدر، قبل يومين، تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو )، بعنوان “مأساة تكنولوجيا التعليم”، يتحدث عن تجربة التعليم عن بعد خلال جائحة كوفيد-19 وانعكاساتها على مستقبل التعلم.

ويخلص التقرير، الذي جاء في 655 صفحة، إلى أن المعطيات المتاحة تشير بقوة إلى أنه رغم النقاط المضيئة في تجارب تكنولوجيا التعليم خلال جائحة كورونا، ورغم أنها تستحق الاهتمام، فقد طغى عليها الفشل إلى حد كبير.

وتتناول فصوله الآثار السلبية العديدة وغير المقصودة التي خلفها التحول إلى تكنولوجيا التعليم، وخاصة تفاقم الفوارق والتفاوت التعليمي “المذهل” في جميع أنحاء العالم. كما تشرح بالتفصيل كيف تراجع التعليم حتى في الحالات التي كانت فيها التكنولوجيا متاحة وعملت على النحو المنشود.

إلى جانب ذلك، يبين التقرير كيف أن الاعتماد الكبير على التعلم عن بعد عبر الإنترنت خلال فترة الوباء أدى إلى إبعاد الانتباه عن الطرق والبدائل الأكثر إنصافا لتعليم الأطفال في المنزل.

بناء على ذلك، حاول باحثو اليونسكو تفكيك ما حدث من أخطاء من أجل استخلاص الدروس والتوصيات لجعل التكنولوجيا وسيلة لتسهيل وتعزيز الجهود المبذولة لضمان توفير التعليم الشامل والمنصف والمتمحور حول الإنسان.

في هذا السياق، أوصى الباحثون مسؤولي التعليم بإعطاء الأولوية للتعليم الحضوري باعتباره المحرك الأساسي لتعلم الطلاب. كما شجعوا المدارس على التأكد من أن التقنيات الناشئة مثل روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تعود بالنفع بشكل ملموس على الطلاب قبل تقديمها للاستخدام التعليمي.

تقرير اليونيسكو يلقى إشادة من لدن الخبراء:

حضي تقرير اليونيسكو بالترحيب والإشادة من طرف النقاد وخبراء التعليم، قائلين إنه دليل مهم لتجاوز مثل هذه الأعطاب في المستقبل.

في هذا الصدد، قال كيشور سينغ، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالحق في التعليم، إن “مأساة تكنولوجيا التعليم” يوضح لنا بدقة كيفية رسم مسار جديد للتعليم في العصر الرقمي، والحفاظ عليه كحق من حقوق الإنسان ومصلحة عامة.

من جانبها، قالت أودري واترز، مؤلفة ومبتكرة Hack Education، إن ما نراه في هذه الصفحات هو الطرق التي أدى بها الوباء واحتضان التعليم الرقمي إلى تفاقم العديد من المشاكل وعدم المساواة التي كانت المدارس تعاني منها بالفعل.

فيما اعتبره بن ويليامسون، أستاذ ومؤلف، إنجازا هائلا وتدخلا نقديا بالغ الأهمية في المناقشات حول الدور المستقبلي للتكنولوجيات الرقمية في التعليم.

وفي نفس السياق، وصفه آدم ألتر، أستاذ ومؤلف، بأنه تقرير شامل ومنهجي ومدروس جيدا، والنتيجة هي تقييم دقيق لوعود تكنولوجيا التعليم وأوجه قصورها.

من جهة أخرى، ترى سونيا ليفينغستون، أستاذة ورئيسة لجنة العقود الآجلة الرقمية في المملكة المتحدة، أنها بالفعل مأساة؛ لأن شركات التكنولوجيا الكبرى اختارت الربح على المصالح الفضلى للأطفال، ولأن الحكومات فشلت في التزامها بحقوق الإنسان.

وأضافت قائلة: “يحدد هذا الكتاب الذي صدر في الوقت المناسب طريقا واضحا لتجنب مثل هذه المشكلات في المستقبل”.

من جهته، أكد نيل سلوين، أستاذ ومؤلف، أنه ينبغي قراءة هذا التحليل من قبل صناع السياسات والمديرين التنفيذيين والمطورين في مجال تكنولوجيا المعلومات وقادة المدارس والمعلمين وأولياء الأمور وأي شخص آخر في وضع يسمح له بضمان أننا لن نجد أنفسنا نتحمل الأخطاء نفسها مرة أخرى.

أهم مضامين فصول التقرير:

تضمن تقرير اليونسكو، “مأساة تكنولوجيا التعليم”، ثلاثة فصول كبرى، تطرقت على التوالي للوعود والآمال المبالغ فيها في الخلاص التكنولوجي، ثم واقع ما قدمته تكنولوجيا التعليم خلال جائحة كورونا مقارنة مع وعودها السابقة، وأخيرا الدروس المستفادة من هذه التجربة لرسم مسار أجود لمستقبل التدريس والتعلم.

فشل تجربة التعليم عن بعد اليونسكو تقرير

تحدث الفصل الأول عن الآمال المفرطة، بل الغطرسة المنتشرة بين أنصار تكنولوجيا التعليم قبل الجائحة، والتأكيدات القائلة بأنه من شأن التحولات الرقمية أن تدفع التعليم إلى الأمام.

مشيرا إلى أن هذه الأصوات قد قدمت تكنولوجيا التعليم كعلاج للعديد من المشاكل التي تواجه التعليم؛ بدءا بتوسيع نطاق الوصول إلى أولئك الذين لا يزالون خارج المدرسة ووصولا إلى تحسين جودة التعلم وأهميته.

وفي بدايات كوفيد-19، كان هناك أيضا قدر كبير من التفاؤل بأن التكنولوجيا ستضمن استمرارية التعلم، ثم ستسحب التعليم من “نماذج المصنع” في القرن العشرين وتنقله إلى مستقبل التعلم الرقمي والشخصي.

في المقابل، جاء الفصل الثاني ليقيم الوعود التي يحملها خطاب تكنولوجيا التعليم عن طريق مقارنتها بواقع ما قدمته كاستجابة لإغلاق المدارس بسبب كوفيد-19.

وأوضح كيف أن الفجوات الرقمية الهائلة تمنع معظم الشباب من الوصول إلى التعلم عن بعد، كما بين كيف أنه حتى في حالة أولئك الذين تم الوصول إليهم حصلوا عموما على تجربة تعليمية غير مرضية.

اقرأ أيضا: الويب Web 4.0 .. هل هو نهاية الإنترنت؟

وخلص الفصل إلى أن نتائج التعلم كانت سيئة على المستوى العالمي؛ إذ أدى إلى تقليص تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية والحركية، وتدهور الصحة البدنية والعقلية نتيجة التحول من المدارس إلى الاعتماد الحصري على تكنولوجيا التعليم.

هذا إلى جانب تأثيرا سلبية أخرى تمثلت في التحول الحاد نحو الاعتماد المتزايد على حلول التعلم التجارية التي تقدمها الشركات الربحية، وزيادة مخاطر الخصوصية بسبب تعقب شركات تكنولوجيا التعليم وجمع بيانات الطلاب. فضلا عن الخسائر البيئية الناتجة عن الصناعات الاستخراجية الثقيلة اللازمة لتصنيع تكنولوجيا التعليم والتلوث الناجم عن النفايات الإلكترونية.

من جهة أخرى، قدم الفصل مجموعة من السيناريوهات البديلة المختلفة التي تتحدى الفكرة القائلة بأن الاعتماد على تكنولوجيا التعليم كان الخيار الوحيد للاستجابة للاضطرابات التعليمية الناجمة عن الوباء.

كما شككت هذه السيناريوهات فيما إذا كانت الثقة المفرطة في إمكانات تكنولوجيا التعليم قد أدت إلى إطالة أمد إغلاق المدارس في بعض السياقات.

وفي الفصل الثالث، تم استحضار تجارب التعليم عن بعد لاستخلاص الدروس التي يمكن أن تساعد في تحقيق نتائج أكثر إنصافا وفعالية وإفادة من تكنولوجيا التعليم.

في هذا الصدد، نصح خبراء اليونسكو بتجنب الاندفاع نحو رؤية التكنولوجيا كحل سريع للمشاكل ذات الجذور الاجتماعية العميقة. وبدلا من ذلك، اقترحوا تبني الحلول التي تحقق استخداما أكثر ثراء للمساحة الاجتماعية للمدارس، إلى جانب الحلول التي تتضمن التكنولوجيا ولكنها لا تتمحور حولها أو تعتمد عليها بشكل كامل.

بالإضافة إلى ذلك، أوضحت مجموعة من الأقسام الفرعية بعض القضايا التي تعتبر على المحك في المناقشات حول الاعتماد الكبير على تكنولوجيا التعليم؛ بدءا من رفاهية وحماية ورعاية أصغر أفراد المجتمع، إلى حماية التعليم كحق من حقوق الإنسان، اليوم ومستقبلا بالنسبة للأجيال القادمة.

وفي الأخير، اقترح هذا الفصل العديد من التوصيات والمبادئ لرسم مسار جديد لتكامل التكنولوجيا مع التعليم في العصر الرقمي.

ومن بين أهم التوصيات التي جاءت في نهاية التقرير نجد؛ الدعوة إلى ضرورة حرص المجتمعات على أن تكون يقظة بشأن الطرق التي تعمل بها الأدوات الرقمية لإعادة تشكيل التعليم، والتنبيه إلى نتائج تجربة التعليم عن بعد التي تهدد بتقويض المكانة الفريدة للتعليم كحق من حقوق الإنسان ومصلحة عامة.

وفي السياق نفسه، أكد التقرير أن التعلم الذي يعتمد بشكل كامل أو كبير على التكنولوجيا الرقمية غالبا ما يبدو ميؤوسا منه بشكل مثير للقلق.

وساق في هذا الصدد مجموعة من الأمثلة: “أطفال خاملون يحدقون في الشاشات في عزلة لمدة ست ساعات أو أكثر يوميا لإكمال التعليم الإلزامي، وانتشار أنظمة التدريس والتعلم المُدارة بشكل جماعي والتي أدت إلى أتمتته، والتقييمات الحاسوبية المعيبة للتعلم التي تؤثر على الفرص المستقبلية للطلاب”.

وللمضي قدما، يقول تقرير اليونسكو إنه يجب على مجتمع التعليم ألا يتفاعل مع التغير التكنولوجي فحسب، بل يجب أن يسعى إلى توجيهه نحو الأهداف المرجوة، مؤكدا أن التكنولوجيا أداة، لكن كيفية وأغراض استخدامها يمكن أن تختلف بشكل كبير.

وأضاف أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة تمكينية قوية للتعليم الشامل والمنصف وعالي الجودة الذي يوازن بين الاحتياجات المتعددة للطلاب، لكن يجب أن يتم توجيهها ودمجها من قبل المعلمين وغيرهم من ذوي المعرفة العميقة بعلم أصول التدريس.

وبالتالي فإن تحديد الدور الذي ستلعبه تكنولوجيا التعليم في التدريس يتطلب مشاورات ومداولات واسعة النطاق، كما يجب على القرارات الأحادية الجانب التي تم اتخاذها من أعلى إلى أسفل في بداية الوباء أن تفسح المجال أمام عمليات صنع القرار الأكثر انفتاحا، والتي تشارك وتنخرط فيها مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة.

وفي الأخير، يعود التقرير ليذكر بأنه لا يلفت الانتباه إلى تكنولوجيا التعليم فحسب، بل يدعو في الوقت نفسه إلى المزيد من الطموح والخيال حول ما يمكن أن يفعله البشر لتعزيز وتنشيط الأهداف الأساسية للتعليم.

ويوضح في هذا السياق أن التكنولوجيا لا تحتكر الابتكار التعليمي ولا مستقبل التعليم؛ إذ يمكن للتدريس والتعلم أن يتقدما، بل وفي كثير من الأحيان، دون الحاجة إلى نقل التكنولوجيا الرقمية داخل المؤسسات الحيوية للتعليم.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى