علوم

الكويكب بينو .. لماذا تُنعت عينات منه بـ “الكنز الثمين”؟

في حدث علمي وُصف بالتاريخي، هبطت، يوم الأحد، كبسولة صغيرة تحمل عينات أصلية من الكويكب بينو (Bennu) بالمظلة في صحراء يوتا الأمريكية، تتويجا لمهمة OSIRIS-Rex التابعة لوكالة ناسا.

فبعد رحلة استغرقت سبع سنوات، تمكنت مهمة OSIRIS-REx من جلب أكبر عينة غير ملوثة من المواد التي تم إرجاعها على الإطلاق إلى كوكب الأرض من خارج القمر، والتي يُقدر العلماء كميتها بحوالي 250 جراما.

وفي تحليق حول الأرض، أطلقت المركبة الفضائية أوزوريس ريكس كبسولة العينة التي هبطت بعد أربع ساعات على مساحة نائية من الأراضي العسكرية الأمريكية، بينما انطلقت المركبة عائدة إلى النظام الشمسي لمواصلة مهمة ممتدة لاستكشاف كويكب آخر.

وتُعد مهمة أخذ عينات الكويكبات هذه الثالثة من نوعها في التاريخ، والأولى بالنسبة للولايات المتحدة بعد اليابان؛ وهي الدولة الأخرى الوحيدة التي أعادت عينات من الكويكبات إلى الأرض في عامي 2010 و2020، لكن الكمية كانت أقل؛ إذ جمعت حوالي ملعقة صغيرة في البعثتين.

ومن المنتظر أن تساعد هذه العينات، التي تم الحفاظ عليها منذ فجر نظامنا الشمسي قبل 4.5 مليار سنة، العلماء على فهم أفضل لكيفية تشكل الأرض والحياة.

يُذكر أن المركبة الأم أوزوريس ريكس قد انطلقت، عام 2016، في مهمة بقيمة مليار دولار أمريكي، ثم وصلت إلى الكويكب بينو بعد عامين، وباستخدام مكنسة كهربائية طويلة، انتزعت الأنقاض من الصخرة الفضائية المستديرة الصغيرة، “بينو”، في عام 2020. وبحلول عودتها يوم الأحد الماضي، سجلت المركبة الفضائية 4 مليارات ميل.

وتهدف هذه المهمة أساسا إلى إعادة مواد الكويكبات إلى الأرض لإجراء تحليلات تفصيلية في مختبرات الأبحاث، التي تتميز بقدرات تتجاوز بكثير حتى الأدوات العلمية الأكثر تطورا على متن المركبات الفضائية.

ما الذي يمكن أن تكشف عنه عينات الكويكب بينو:

بعد استلام الكبسولة التي تحمل عينات الكويكب بينو ، قام فريق مختص بنقلها عبر طائرة هليكوبتر إلى منشأة خاصة في Dugway Proving Ground التابعة للجيش الأمريكي.

هناك، قام الفنيون بفك غلاف الكبسولة وبدأوا في تفكيكها لنقلها بطائرة شحن يوم الاثنين إلى مركز جونسون الفضائي التابع لناسا في هيوستن، حيث سيفتح العلماء داخل منشأة معالجة فائقة النظافة مبنية خصيصا غطاء الغرفة الداخلية للكبسولة يوم الثلاثاء.

عملية فك غلاف الكبسولة التي تحمل عينات الكويكب بينو
عملية فك غلاف الكبسولة التي تحمل عينات الكويكب بينو. صورة مأخوذة من حساب ناسا على منصة X – https://pbs.twimg.com/media/F60380AWwAE41YU?format=webp&name=small

وبينما يتوق العلماء إلى معرفة ما التقطه OSIRIS-REx منذ عام 2020، فإن بعض النتائج الأولية من عينة الكويكب لن يتم الكشف عنها إلا بعد نحو نصف شهر؛ إذ تخطط وكالة ناسا للإعلان عن ذلك في 11 أكتوبر، فيما ستستغرق النتائج الأكثر تفصيلا وقتا أطول.

في هذا الصدد، يأمل العلماء في إصدار أول أوراق بحثية تمت مراجعتها من قبل النظراء لتحليل عينات الكويكب بحلول نهاية هذا العام، مع ظهور المزيد من النتائج في عام 2024.

غير أن الأدوات الموجودة على متن المركبة الفضائية تفصح عن بعض المعلومات وتمنح بعض المؤشرات المهمة؛ إذ أظهرت القياسات التي أجراها OSIRIS-REx، ومن التلسكوبات قبل إطلاق المهمة، أن كويكب بينو غني بالمعادن القائمة على الكربون. وهذه هي اللبنات الأساسية للحياة؛ بحيث يعتقد العلماء أن الكويكبات مثل “بينو” أوصلت بذور الحياة إلى الأرض منذ مليارات السنين.

في هذا السياق، قال دانتي لوريتا، الباحث الرئيسي في مهمة OSIRIS-REx من جامعة أريزونا، إن “”السؤال الأكبر، الذي يقود أبحاثي العلمية، هو أصل الحياة. ما هي الحياة؟ كيف نشأت؟ ولماذا حدثت على الأرض؟”.

وأضاف: “نعتقد أننا نعيد… ربما ممثلين لبذور الحياة التي قدمتها هذه الكويكبات في بداية كوكبنا، والتي أدت إلى هذا المحيط الحيوي المذهل، والتطور البيولوجي، ولوجودنا هنا اليوم لإلقاء نظرة إلى الوراء على هذا التاريخ المذهل”.

كما زاد قائلا: “نحن ننظر حرفياً إلى المواد الجيولوجية التي تشكلت قبل وجود الأرض. وأسميها صخور الجد، تلك التي تمثل أصولنا ومن أين أتينا”.

وتجدر الإشارة أن “بينو” يصنف على أنه كويكب قريب من الأرض لأن مداره حول الشمس يجعله قريبا من كوكبنا بانتظام. وهذا ما جعل منه هدفا جذابا؛ لأنه جزء من مجموعة الكويكبات التي يمكن أن تهدد الأرض، وهو هدف كان من السهل نسبيا على أوزيريس ريكس الوصول إليه، من حيث كمية الطاقة اللازمة للوصول إلى هناك والعودة إلى الأرض.

وحول قيمة هذه العينات، أوضح داني جلافين، أحد كبار علماء وكالة ناسا والذي شارك أيضا في البحث الأخير، أن: “أحد التحديات التي تواجه جميع النيازك هو أنها تتلوث؛ أنت تبحث عن العناصر الأساسية للحياة، والتلوث يجعل من الصعب حقا اكتشاف ما تشكل في الفضاء. ولهذا السبب فإن هذه العينات من بينو مميزة جدا (مع) مواد أصلية. سنكون قادرين على الوثوق بالنتائج العضوية لهذه العينات”.

فبغض النظر عن التركيب الدقيق لعينة كويكب بينو، فمن شبه المؤكد أن المادة بدائية وتشبه الفحم في اللون، وتظهر بنفس الطريقة التي ظهرت بها بعد وقت قصير من تكوين النظام الشمسي.

لماذا عادت المركبة أدراجها بعد تسليم عينات الكويكب بينو؟

بعد تسليم كبسولة العينات، أطلقت السفينة الأم OSIRIS-REx أجهزة دفع للابتعاد عن مسار تصادمها مع الأرض، ثم ارتفعت المركبة الفضائية بضع مئات من الأميال فوق الكوكب، عائدة إلى النظام الشمسي لمواصلة مهمة ممتدة لاستكشاف الهدف التالي.

يتعلق الأمر بـ “أبوفيس” (Apophis)، وهو كويكب ممدود يبلغ متوسط ​​قطره حوالي 340 مترا. وقد أصبح أحد الكويكبات الأكثر شهرة من حيث السمعة السيئة في النظام الشمسي، وذلك بعد وقت قصير من اكتشافه في عام 2004.

في ذلك الوقت، أشار التتبع الأولي للكويكب إلى وجود فرصة ضئيلة لاصطدامه بالأرض في 13 أبريل 2029، لكن منذ ذلك الحين، تم العمل على القضاء على أي فرصة لضرب الأرض خلال المائة عام القادمة على الأقل.

يختلف “أبوفيس”، وهو كويكب حجري، في تركيبه عن بينو. كما يُعتبر النوع الأكثر شيوعا من الكويكبات التي يمكن أن تهدد الأرض، لذلك يرغب العلماء في التعرف على هيكله وقوة سطحه؛ إذ يمكن للبيانات التي يتم جمعها في أبوفيس أن تساعد في التنبؤ بمدى الضرر الذي يمكن أن يسببه تهديد كويكب مستقبلي في حالة اصطدامه بالأرض.

هذه المهمة الموسعة الجديدة، والتي تسمى OSIRIS-Apophis Explorer (OSIRIS-APEX)، ستأخذ المركبة الفضائية في عدة دورات أخرى حول الشمس، وبعد وقت قصير من مرور “أبوفيس” على بعد أقل من 32 ألف كيلومتر من الأرض في عام 2029، ستدخل المركبة الفضائية OSIRIS-APEX إلى مدار حول الكويكب لأكثر من عام من عمليات المراقبة القريبة.

وسيتضمن الوقت الذي تقضيه المركبة الفضائية على الكويكب “أبوفيس” هبوطا آخر، حيث ستستخدم آلياتها لتحريك المواد والحفر في السطح.

في هذا الصدد، كتب الباحثون في جامعة أريزونا على الموقع الإلكتروني للمهمة: “سيسمح لنا هذا بمراقبة المواد الموجودة تحت السطح، والتي ستوفر رؤية، لا يمكن الوصول إليها بطريقة أخرى، عن التجوية الفضائية وقوة سطح الكويكبات الصخرية”.

المصدر: arstechnica

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى