تقنية الجيل السادس 6G: كيف ستعيد تشكيل عالمنا؟
بينما لا يزال العالم يكتشف تقنية الجيل الخامس التي أحدثت ثورة في مجال التكنولوجيا الخلوية اللاسلكية، يعمل الباحثون على تطوير تقنية الجيل السادس 6G، وهي تقنية يُتوقع أن تكون متقدمة بأشواط كبيرة مقارنة بالأجيال السابقة، من خلال دمجها للعالم المادي مع العالم الرقمي وتوفير طرق جديدة للالتقاء والتفاعل والتواصل مع الآخرين افتراضيا في زمن انتقال شبه منعدم.
فماذا تعرف عن تقنية الجيل السادس؟ وما الفرق بينها وبين الأجيال السابقة؟ ثم كيف تعمل هاته الشبكة؟ وما هي مميزاتها؟ وما العقبات التي قد تواجهها؟ أسئلة وأخرى سنحاول الإجابة عنها بتفصيل في هذا المقال.
قائمة المحتويات:
ما هي تقنية الجيل السادس 6G ؟
تقنية الجيل 6G هو الاسم الذي يطلق على الجيل السادس من الشبكات الخلوية، التي ستوفر ذكاء لاسلكيا منقطع النظير، بحيث ستستخدم هذه التكنولوجيا الجديدة طيفًا تردديًا أعلى من 5G، ومن المتوقع أن توفر زمن وصول أقل وقدرات عرض نطاق ترددي أعلى.
في هذا السياق، يهدف الباحثون للوصول إلى معدلات بيانات تبلغ 1 تيرابايت في الثانية، وهي معدلات تتجاوز بكثير تقنية الجيل الخامس التي كانت في حدود 20 جيغابايت في الثانية.
كما من المنتظر أن تدعم شبكات الجيل السادس 10 ملايين جهاز لكل كيلومتر مربع، في حين لا تدعم شبكات الجيل الخامس حاليا سوى حوالي مليون جهاز لكل كيلومتر مربع.
وتفيد مجموعة من التقارير أن بعض شركات التكنولوجيا في الصين قد حققت بالفعل أكثر من 200 جيغابايت في الثانية في بيئة معملية، غير أن الإطار الزمني لظهور أولى شبكات الجيل السادس يُتوقع أن تكون في عام 2030.
ومع ظهور هذه التقنية، من المنتظر أن يكون زمن الوصول قريبا من الصفر، وهو مستوى يشار إليه أحيانا باسم زمن انتقال الهواء، حيث سيختبر المستخدمون سرعات عالية جدا في انتقال البيانات مع أوقات انتظار تقترب من الصفر.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تحقق هذه التقنية اختراقات في تقنيات مثل الأنظمة البيئية للشبكة، وإنترنت الأشياء ، وإنترنت الحواس، والتصوير إلى جانب تطوير الذكاء الاصطناعي، فضلا عن أنها ستحدث ثورة في مجال الرعاية الصحية الدقيقة والتمويل والنقل والزراعة الذكية ومراقبة الأرض، والملاحة الربوتية وغيرها.
التطور التاريخي لأجيال الاتصالات من 1G إلى 6G:
عرفت شبكات الاتصالات تطورا كبيرا منذ الإعلان عن أول جيل (Generation) في ثمانينات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين استمر تطوير وتحديث هذه الشبكات لنصل إلى الجيل الخامس ثم الجيل السادس الذي يتوقع أن يصدر في 2030.
وفيما يلي لمحة تاريخية عن أجيال الاتصال من الجيل الأول الى الجيل السادس:
الجيل الأول 1G:
في عالم كانت تقتصر فيه الاتصالات الهاتفية على الاتصالات السلكية جاء الجيل الأول في نهاية السبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي ليقدم للعالم ولأول مرة إمكانية التواصل بدون أسلاك، مؤسسا بذلك مفهوم الشبكات اللاسلكية.
كان الجيل الأول يعتمد على طيف الأمواج بين 824 ميجاهيرتز و 894 ميجاهيرتز معتمداً على إشارات Analog ليكون قادراً على نقل المكالمات الصوتية فقط.
غير أن صعوبات كبيرة واجهت هذا الجيل بسبب بطأ الشبكة، والتكلفة المادية المرتفعة للاتصال، فضلا عن الحجم الكبير لأجهزة الاتصالات وكمية استهلاكها للطاقة، ما جعل انتشار الجيل الأول محصورا في الشركات التجارية فقط.
الجيل الثاني 2G:
في بداية تسعينات القرن الماضي 1991/1990 ظهر الجيل الثاني من الشبكات اللاسلكية الذي جلب معه بعض خدمات البيانات اللاسلكية، ومكن المستخدمين من الاتصال بالإنترنت عبر الأجهزة المحمولة.
انتقل العمل في الجيل الثاني من إشارات Analog إلى إشارات Digital كما أتاح هذا الجيل انتشار الهواتف بشكل كبير لدى مختلف المستخدمين، فضلا عن تمكينهم من استخدام تقنيات جديدة للتواصل مثل WAP و MMS و SMS.
بلغت سرعات انتقال البيانات في 2G حوالي 144 كيلوبايت في الثانية، مع إمكانية دعم الانترنت لأول مرة، لكن ورغم ذلك فإن هذه السرعة لم تكن كافية ومُرضية للمستخدمين والمصنعين معا، الذين أرادوا الوصول الى شبكات أكثر تطورا وأكثر سرعة.
الجيل الثالث 3G:
ما بين 2004 و2005، تم تقديم الجيل الثالث من التكنولوجيا اللاسلكية التي تميزت عن سابقاتها بإضافة بعض التقنيات الجديدة مثل؛ مكالمات الفيديو والتلفزيون المحمول وتشغيل الفيديوهات والموسيقى عبر الإنترنت، وتنزيل الملفات والألعاب الالكترونية…
تطورت سرعات نقل البيانات التي وفرها الجيل الثالث من 2 إلى 20 ميجابايت في الثانية، كما تحسنت موجات التردد التي باتت تشتغل بتردد بين 900 ميجاهيرتز و3 جيكاهيرتز.
وتجدر الإشارة أن تقنية الجيل الثالث لا تزال مستخدمة إلى اليوم في العديد من الدول والمناطق التي لا تعرف تطورا كبيرا في البنية التحتية للاتصالات.
الجيل الرابع 4G:
منذ عام 2009 وإلى وقتنا الحاضر، لا تزال شبكات الجيل الرابع هي الأكثر استخداما عبر العالم، إذ تمكن هذه الشبكات من تصفح الإنترنت بسهولة أكبر ومشاهدة الأفلام ومقاطع الفيديو بجودات عالية مع إمكانية تنزيل وتحميل الملفات بشكل أسرع.
يشتغل نظام 4G بطيف موجات تتراوح بين 800 ميجاهيرتز و2 جيجاهيرتز، كما تصل سرعة نقل البيانات فيه الى 100 ميجابايت في الثانية.
الجيل الخامس 5G:
في 2019، تم تدشين تقنية الجيل الخامس التي تعد أحدث تقنيات الاتصالات المتنقلة وتعرف باسم (5G New Radio) أو (5G NR).
وبخلاف تقنيات الاتصالات اللاسلكية السابقة، فإن الجيل الخامس أحدثت ثورة تتعدى عالم الاتصالات وتقنية المعلومات لتمس كافة جوانب الحياة من خلال العديد من التطبيقات الصناعية والصحية والتعليمية، بالإضافة إلى تطبيقات المواصلات والتعدين من خلال توفير:
سرعات اتصال عالية جداً وزمن استجابة قصير جداً، بالإضافة إلى موثوقية اتصال عالية جداً وقدرة على ربط عدد كبير من الأجهزة.
ورغم أن 5G ظهرت في 2019، إلا أن الكثير من الدول لم تستفد بعد هذه التقنية لكونها تتطلب تجهيزات وبنيات تحتية متطورة.
الجيل السادس 6G:
بحلول عام 2030، من المتوقع أن تعمل تقنية الجيل السادس على تعزيز قدرات أحدث شبكات 5G، وتقديم تغطية ووظائف محسّنة وسرعات فائقة لبيانات الهاتف المحمول. كما من المنتظر أن تدعم المليارات من أجهزة إنترنت الأشياء في جميع أنحاء العالم، وتمكن الناس من الاستمتاع بتطبيقات مثل الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR).
مميزات تقنية الجيل السادس 6G:
هناك العديد من المميزات التي ستقدمها تقنية الجيل السادس للمستخدمين، والتي يمكن أن نتحدث عن بعضها في الأسطر التالية:
1. الربط بين العالم المادي والميتافيرس:
وفقا لموقع شركة ericsson ستتيح تقنية الجيل السادس إمكانية التنقل بحرية في التسلسل السيبراني الفيزيائي بين العالم المادي المتصل بالحواس والأفعال والتجارب، والتمثيل الرقمي القابل للبرمجة.
ففي التسلسل الفيزيائي السيبراني ، سيكون من الممكن عرض كائنات رقمية على أشياء مادية يتم تمثيلها رقميًا، مما يسمح لها بالتعايش بسلاسة كواقع مدمج وبالتالي تعزيز العالم الحقيقي.
وستكون شبكات المستقبل مكونًا أساسيًا لعمل جميع أجزاء الحياة والمجتمع والصناعات تقريبًا، مما يفي باحتياجات الاتصالات للبشر وكذلك الآلات الذكية.
ومع استمرار تسريع الأتمتة والرقمنة في تبسيط حياة الناس، ستعمل السلسلة الإلكترونية الفيزيائية الناشئة باستمرار على تحسين الكفاءة وضمان الاستخدام المستدام للموارد.
كما سيتم تضمين عدد لا يحصى من أجهزة الاستشعار في العالم المادي من أجل إرسال البيانات لتحديث التمثيل الرقمي. وفي الوقت نفسه، سيتم تنفيذ الوظائف المبرمجة في التمثيل الرقمي بواسطة مشغلات في العالم المادي.
باختصار سيكون العالم مع تقنية الجيل السادس على شكل عالم مادي مستدام ورقمي قابل للبرمجة، حيث سيتم دعم البشر بواسطة آلات ذكية وإنترنت الحواس – Internet of Senses، هاته الأخيرة التي توفر تجربة التواجد الكامل عن بعد وتزيل المسافة كحاجز للتفاعل.
2. تحديد المواقع بدقة عالية:
ستمكن تقنية الجيل السادس من استخدام خرائط تفاعلية رباعية الأبعاد لمدن بأكملها وبدقة عالية من حيث الموقع والزمن، ويمكن الوصول إليها وتعديلها في وقت واحد من قبل أعداد كبيرة من البشر والآلات الذكية للتخطيط التفصيلي للأنشطة.
يمكن لمنصات الخدمة السيبرانية الفيزيائية إصدار أوامر لأنظمة التوجيه واسعة النطاق، مثل النقل العام ، أو معالجة النفايات ، أو أنظمة إدارة المياه والتدفئة ، مما يحقق مستويات أعلى من كفاءة الموارد ، وتحكم أفضل ، وزيادة المرونة.
3. استخدام الروبوتات في الرعاية الصحية:
حاليا يتم الاستعانة في بعض الأحيان بالروبوتات في المجال الصحي، لكن ومع تكنولوجيا الجيل السادس من المتوقع أن يصبح استخدامها أمرا شائعا؛ إذ إن الاتصال اللاسلكي مع الروبوتات والأجهزة الأخرى والتواجد عن بعد، كلها أشياء ستغير الطريقة التي ننظر بها إلى الرعاية الصحية.
فبفضل الأجهزة المتصلة بإنترنت الأشياء وبفضل الاتصالات الثلاثية الأبعاد، سيتمكن الأطباء من تقديم الرعاية المطلوبة عن بعد والوصول إلى المرضى في أماكن بعيدة، فضلا عن إجراء العمليات الجراحية عن بعد وبدقة عالية.
4. تعزيز التعليم عن بعد:
بفضل تقنية الجيل السادس سيصبح التعليم عن بعد أكثر أهمية؛ إذ وبفضل دمج العالم المادي مع الافتراضي يمكن للطالب أن يحضر فصوله الدراسية من بيته دون حواجز المسافات، وكأنه داخل مدرسته أو جامعته، حيث يمكنه التجول وولوج حجرات الدرس بكل حرية بشكل مشابه للعالم المادي من خلال الواقع المعزز والواقع الافتراضي.
5. تطوير السيارات ذاتية القيادة والتقليل من حوادث السير:
ستتمكن السيارات ذاتية القيادة من تلقي كميات كبيرة من البيانات ومعالجتها على الفور، وستصبح تطبيقات الواقع الافتراضي أكثر واقعية بفضل أوقات الاستجابة الأسرع.
وبفضل السرعات العالية وقدرات المعالجة الممتازة، فضلا عن التطور المستمر للذكاء الاصطناعي، ستتمكن الشركات المصنعة لهاته السيارات من ابتكار نماذج سيارات مطورة ومحسنة وبقدرات عالية على القيادة الذاتية بنسبة أخطاء شبه منعدمة.
6. تطوير طائرات بدون طيران عالية الكفاءة:
تلعب الطائرات بدون طيار دورًا مهمًا في العديد من التطبيقات، مثل النقل وتسليم الطرود والمراقبة والإنتاج الإعلامي، بالإضافة إلى العديد من مجالات التطبيق الممكنة. لذلك ستضمن تقنية الجيل السادس وجود اتصال لاسلكي آمن وموثوق ومستقر يضمن التحكم والتشغيل الآمن للطائرات بدون طيار، من خلال الاعتماد على الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي لمعالجة العديد من المشكلات، مثل مشكلات الاتصال في السماء.
7. توفير التغطية في كل بقاع العالم:
خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، سيتم إطلاق أساطيل من الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض (LEO) إلى الفضاء، وستشكل أقمار المدار الأرضي المنخفض هذه بنية تحتية عالمية.
بفضل هذه الأقمار سيصبح بالإمكان بث ترددات عالية للغاية من الفضاء ثم إعادة إرسالها إلى محطات قاعدية أرضية، وسيسمح هذا الأمر بالاتصال في أي مكان على الأرض، حتى في المناطق الريفية أو النائية التي يصعب الوصول إليها حيث لا يتم إرسال إشارات خلوية حاليًا.
وبالتالي، فقبل أن تبدأ 6G في الانطلاق، سيكون هناك اعتماد كبير على البنية التحتية الجديدة لدعم شبكة الاتصالات اللاسلكية القائمة على تيراهيرتز.
كيف ستعمل تقنية الجيل السادس؟
في حين أنه لم يتم بعد تحديد كيف سيكون الجيل السادس أسرع بالضبط، يمكن للمرء أن يفترض بأمان أنه سيشمل ترددات عالية جدًا (موجات ملليمتر) من الطيف الراديوي.
وتجدر الإشارة أن سعة النطاق الترددي لشبكة 5G تستخدم ترددات لاسلكية عالية، وكلما كان الطيف الراديوي أعلى، يمكن نقل المزيد من البيانات.
قد تقترب 6G في النهاية من الحدود العليا للطيف الراديوي وتصل إلى مستويات تردد عالية للغاية تبلغ 300 جيجاهرتز، أو حتى نطاقات تيراهيرتز.
متى ستكون تقنية الجيل السادس متاحة للجميع؟
حاليا تعمل شركات التكنولوجيا بالفعل على تطوير شبكات الجيل السادس، إلا أن تنفيذ هذه التقنية لا يزال بعيدا عن التطوير الكامل. ويتوقع الخبراء موعد الإطلاق بحلول عام 2030، على الرغم من أن بعض البلدان في آسيا (مثل الصين، سنغافورة، اليابان…) قد تشهد تجربة 6G في وقت أقرب. لكن من المؤكد أن تعميم هاته التقنية لن يكون قبل عقد من الزمن أي قبل أن تنضج بما فيه الكفاية لتعميمها على باقي دول العالم.