تنمية مستدامةتكنولوجيا

هل يمكن تكرار النموذج الهندي للانتقال الرقمي “DPI” في إفريقيا؟

أدى النموذج الهندي المعروف بـ “البنية التحتية العامة الرقمية” (DPI)، الذي كان يطلق عليه سابقا “India Stack”، إلى تحسين حياة الملايين من الهنود، وفقا لمؤيدي هذا النهج. والآن، يُنظر إلى هذا النوع من البنية التحتية العامة الرقمية كنموذج للدول الأخرى التي تسعى إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

فمنذ طرحها على مدى العقد الماضي، كان لـ “India Stack” الفضل في القضاء على الفساد، وزيادة الكفاءة الضريبية وتمكين المواطنين الذين تم استبعادهم سابقا من الأنظمة الصحية أو التعليمية أو المصرفية الرسمية؛ إذ يمتلك حاليا كل شخص بالغ تقريبا في الهند هوية بيومترية مكونة من 12 رقما، تُعرف باسم Aadhaar، مما يتيح له الوصول إلى هذه الخدمات.

ما المقصود بنهج DPI الهندي؟

الـ DPI هو اختصار لـ “Digital Public Infrastructure” (البنية التحتية العامة الرقمية)، وهو مجموعة من المنصات الرقمية التي تتعامل مع الجمهور والتي ساهمت في تغيير حياة مواطني الهند عبر توفير مجموعة من الخدمات الرقمية.

كان يُعرف هذا النهج سابقا باسم “India Stack”، وقد تم تغيير اسمه إلى DPI بعدما تزايد عدد المنصات وتزايد معها طموحها؛ إذ تشمل الآن واجهة المدفوعات الموحدة (UPI)، ومنصة CoWin للرعاية الصحية، وDigilocker للمسح الضوئي وغيرها من المنصات التي تشتغل في إطار مبادرة الهند الرقمية.

وبفضل هذه المنصات، تمكنت الحكومة الهندية والشركات الخاصة من بناء التطبيقات، والتحقق من هوية المواطنين، وتحويل المدفوعات والبيانات الخاصة، مع توفير الموثوقية والسلامة والأمن في الوقت نفسه، وهو ما أدى، حسب مؤيدي هذا النهج، إلى تحول الاقتصاد الهندي، وتعزيز الإنتاجية، ودعم النمو العادل.

وقد حظيت “البنية التحتية العامة الرقمية” (DPI) بالفعل بتأييد العديد من البلدان والمنظمات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي ومؤخرا مجموعة العشرين.

هل يمكن تكرار نموذج DPI في إفريقيا؟

أشار ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، في قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا العام الماضي، إلى أن فوائد هذا التحول الرقمي لا ينبغي أن تقتصر على جزء صغير من الجنس البشري.

وبالتالي فقد أظهرت الهند أنها تأمل في تصدير نموذجها المعروف بـ DPI إلى باقي الدول، خاصة بعدما تم الاعتراف بنجاعة هذا النموذج وبوعوده التنموية الطموحة.

في هذا السياق، أشارت الأمم المتحدة إلى الدور الذي لعبه “India Stack” في مساعدة الحكومة الهندية على التعامل مع أزمة كوفيد19، فضلا عن إسهامه في تعزيز التنمية.

كما قالت في تقرير لها، الشهر الماضي، إن الـ”DPI” يمكن أن يسرع النمو الاقتصادي العالمي، ويدعم التحول إلى الاقتصادات المستدامة والخضراء، ويزيد إمكانية الوصول وثقة الجمهور في المؤسسات”.

من هذه المنطلقات، يقول مؤيدو “DPI” إن اعتمادها على نطاق واسع يمكن أن يكون له تأثير مماثل على قارة إفريقيا بأكملها. في هذا الصدد، يزعم بيل جيتس، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، والذي يشارك في رئاسة مؤسسة بيل وميليندا جيتس، أن “DPI” هي المفتاح لإطلاق العنان للنمو وتحقيق أهداف الحد من الفقر في العديد من البلدان الأفريقية البالغ عددها 54 دولة.

وأكد بيل جيتس، في مقابلة مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، بعد وقت قصير من رحلته إلى نيجيريا التي دعا فيها إلى إطلاق “DPI”، “إن رقمنة الأشياء تقلل من النفقات العامة بشكل كبير، وهي تفعل ذلك بطريقة مؤيدة للمساواة”. كما يرى أن اعتماد “DPI” يمكن أن يجلب عشرات الملايين من الناس إلى النظام المالي ويحسن كفاءة الدولة.

من جهة أخرى، يعتبر بيل جيتس أن نهج “DPI” مفيدة بشكل خاص للنساء القرويات المستبعدات من الخدمات المصرفية الرسمية، مؤكدا أن “الوضع المثالي هو أن يكون للمرأة حساب توفير خاص بها”؛ إذ تُظهر العديد من البيانات أن الأموال في هذه الحالة ستنفق بشكل أقل على الاستهلاك، بما في ذلك على الكحول، وأكثر على الرسوم المدرسية والادخار”.

بالإضافة إلى ذلك، يرى جيتس أن تقديم المدفوعات، في إفريقيا، مباشرة إلى الناس يمكن أن يساعد أيضا في الحد من الفساد؛ بحيث يمكن توزيع الدعم أو الإعانات على الأفراد المعنيين والمستهدفين بشكل مباشرة ودون وساطات، “وهذا هو النهج الذي يجري النظر فيه، على سبيل المثال، في نيجيريا، كوسيلة لتخفيف وطأة الإلغاء الأخير لدعم البنزين”.

في السياق نفسه، يقول مؤسس مايكروسوفت في حديثه عن التجربة الهندية، التي يعتقد أنه يمكن تكرارها في بلدان مثل نيجيريا: “لقد انخفض التسرب في النظام بشكل كبير للغاية”؛ فبتطبيق هذا النهج في الدول الإفريقية ستصل الأموال النقدية إلى هاتف المعني مباشرة، وبالتالي تفادي اقتطاع حصص منها من طرف بعض الوسطاء ومحاربة الفساد.

وتجدر الإشارة أن حوالي 20 دولة إفريقية تبنت أنظمة دفع رقمية على مستوى البلاد، إلى جانب 18 دولة أخرى قيد التنفيذ، وفقا لمنظمة AfricaNenda، وهي منظمة كينية غير حكومية مدعومة من طرف مؤسسة بيل وميليندا جيتس.

لكن في المقابل، تخلفت إفريقيا عن الركب في جوانب مهمة، وهذا هو الحال بشكل خاص مع الهوية الرقمية؛ بحيث إن ما يقدر بنحو 470 مليون شخص في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية الرسمية على الإطلاق، وفقا للبنك الدولي.

ومن بين المؤيدين الآخرين لهذا النهج، يمكن استحضار آرون كومار جورومورثي، رئيس الاستراتيجية في MOSIP، وهي منصة هوية معيارية (ID) مفتوحة المصدر، تابعة للمعهد الدولي لتكنولوجيا المعلومات في بنجالور (الملقبة بوادي السيليكون في الهند).

يرى جورومورثي، أنه “يمكن أن تكون التكنولوجيا الرقمية منفعة عامة”. وفي هذا الصدد، قدم، رئيس الاستراتيجية في MOSIP، المشورة للحكومات في المغرب وإثيوبيا وسيراليون وغينيا وتوغو بشأن طرح أنظمة تحديد الهوية الوطنية الخاصة بها.

ويقول إن منصة MOSIP ID ساعدت الفلبين، وهي من أوائل الدول التي اعتمدتها، وتوغو على توجيه مدفوعات الطوارئ بشكل أفضل أثناء الوباء مباشرة إلى حسابات الناس.

من جانه، أكد ماهامودو بوميا، نائب رئيس غانا الذي قاد الجهود الرامية إلى رقمنة الخدمات ورسم خرائط رقمية للإقامات، ويُؤيد نهج “DPI” الهندي، أن الحكومات غير قادرة على خدمة شعوبها إذا كانت لا تعرف من هم. وأضاف: “البلدان التي تفشل في رقمنة اقتصاداتها من المرجح أن تصبح غير قادرة على المنافسة”.

مخاوف وتحذيرات من إساءة استخدام البيانات الشخصية

رغم الإمكانات الواعدة لهذه التقنيات والتأييد التي تحظى به من طرف بعض المنظمات الدولية، إلا أن بعض المنتقدين يدعون إلى توخي الحذر قائلين إنه من الخطير أن تعرف الحكومات الاستبدادية الكثير عن مواطنيها، مشيرين إلى أن الحريات المدنية قد تكون في خطر.

وقد أثار نهج “DPI” الهندي، العديد من المخاوف والتحذيرات بشأن احتمال إساءة استخدام البيانات الشخصية من قبل مؤسسات الدولة والشركات، خاصة بعدما عانت الهند بدورها من سلسلة من خروقات البيانات الجماعية المتعلقة بمنصة Aadhaar الخاصة بالهوية البيومترية للمواطنين.

في هذا الصدد، تقول نانجالا نيابولا، مؤلفة الكينية، في كتابها “Digital Democracy, Analogue Politics” (الديمقراطية الرقمية، السياسة التناظرية)، إن المنصات تعكس قيم الحكومات التي تنفذها. وترى أن “أنظمة الهوية الرقمية لن تؤدي إلا إلى جعل الحكومات أكثر كفاءة فيما تفعله بالفعل”، مشيرة إلى أن الهويات الرقمية يمكن استخدامها لقمع بعض المواطنين أو التمييز ضدهم.

من جهة أخرى، يعترف بيل جيتس بإمكانية إساءة استخدام الهوية الرقمية، قائلا إن أي شيء يجعل الدولة أكثر فعالية فهو مفيد فيما يخص الأشياء التي يرغب المواطن في أن تفعلها دولته، وسيئ فيما يخص الأشياء التي لا يرغب في أن تفعلها، لكنه يعتبر أن الحكومة الكفؤة تبقى، في جميع الحالات تقريبا، أفضل من الحكومات غير الكفؤة.

المصدر: فاينانشال تايمز ____________ weforum

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى