تكنولوجيا

روبوتات الدردشة تتفوق على الإنسان في بعض المهام الإبداعية

كشفت دراسة حديثة، نُشرت يوم 14 سبتمبر، أن روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تتفوق على الإنسان في بعض مهام التفكير الإبداعي.

إذ حققت روبوتات الدردشة، وفق الورقة البحثية المنشورة في مجلة Scientific Reports، متوسط درجات أعلى من البشر في أحد الاختبارات الشائعة لتقييم القدرة على التفكير الإبداعي.

ومع ذلك، وجد الباحثون أن بعض الأفكار البشرية لا تزال تُطابق أو تتجاوز تلك التي تم توليدها من طرف الذكاء الاصطناعي، في هذا الصدد تقول نتائج الدراسة: “على الرغم من أن أداء روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي كان أفضل من أداء البشر في المتوسط، إلا أنها لم تتفوق باستمرار على أفضل أداء بشري”.

في هذا الاختبار، تم قياس قدرات ومهارات “التفكير التباعدي”، الذي يُشار إليه أيضا بالاستخدامات البديلة، لدى كل من البشر والروبوتات ومقارنتها.

ويقصد بالتفكير التباعدي، القدرة على توليد العديد من الأفكار أو الحلول المختلفة أو الإجابات العديدة المحتملة لسؤال ما، وبالتالي فقد ارتبط أكثر بتوليد الأفكار الإبداعية، على عكس “التفكير التقاربي” الذي يشير إلى القدرة على تحديد الإجابة الصحيحة أو الأفضل لمشكلة ما.

شاركت في الدراسة عينة من 256 شخصا مقابل ثلاثة روبوتات دردشة تعمل بالذكاء الاصطناعي وهي: ChatGPT3، وChatGPT4، وCopy.Ai.

طلب الباحثون من الأشخاص المشاركين إيجاد مجموعة من الاستخدامات الأصيلة والمبتكرة لأربعة أشياء مستعملة في الحياة اليومية؛ حبل، وصندوق، وقلم رصاص، وشمعة، وهي نفس التعليمات التي أُعطيت لروبوتات الدردشة، مع توجيه الجميع إلى أن جودة الأفكار أكثر أهمية من الكمية.

اعتمد مؤلفو الدراسة طريقتين لتقييم أداء كل من البشر والروبوتات؛ الأولى كانت عبارة عن خوارزمية لقياس مدى قرب الاستخدامات المقترحة للأشياء من غرضها الأصلي (القلم مثلا للكتابة)، والثانية طلبت من ستة مقيمين بشرين تقييم مدى إبداع وأصالة كل إجابة، علما أنهم لم يكونوا على دراية بأن بعض الإجابات تم توليدها بواسطة الروبوتات.

أظهرت نتائج كلا التقييمين أن روبوتات الدردشة سجلت في المتوسط معدلات أعلى مقارنة بالعينة البشرية؛ بحيث تضمنت الاستجابات البشرية نسبة كبيرة من الأفكار رديئة الجودة، غير أن أعلى الدرجات كانت من نصيب البشر؛ إذ تفوقوا على الروبوتات في سبعة من أصل ثماني أعلى معدلات.

لتبسيط هذه النتائج يمكن الاستعانة بالمثال التالي؛ تخيل أن لدينا مجموعتين من الطلبة، الأولى تمثل الروبوتات، والثانية تمثل البشر. حسب هذه الدراسة فإن المجموعة الأولى حصلت على درجات تتراوح بين 14 و15 و16 من 20، وبالتالي فمتوسط الدرجات هو 15 مثلا.

بينما حصلت المجموعة الثانية على درجات تضمنت 6 و11 و13 و5 و19 من عشرين، وبالتالي كان المتوسط مثلا هو 12. إذا قارنا في هذ المثال المتوسطين سنجد أن متوسط المجموعة الأولى أعلى من الثانية، لكن في المقابل كانت أعلى الدرجات في المجموعة الثانية.

الإبداع قدرة حصرية ينفرد بها البشر؟

يؤكد مؤلفو الورقة البحثية أنه يجب ألا ننسى “أننا استخدمنا ما يُسمى بالتفكير التباعدي لقياس التفكير الإبداعي، أي قياس نوع معين من التفكير الإبداعي وليس الإبداع بشكل عام”.

لكن في المقابل، تشير النتائج إلى أن الذكاء الاصطناعي قد وصل على الأقل إلى نفس المستوى، أو حتى تجاوز، قدرة الإنسان العادي على توليد الأفكار في الاختبار الأكثر نموذجية للتفكير الإبداعي (AUT)، علما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بسرعة وقد تختلف النتائج بعد نصف عام.

وبالتالي، يمكن إثارة العديد من الأسئلة الفلسفية الجدية حول مفهوم الإبداع الذي يعتبر تقليديا قدرة حصرية للبشر، خاصة بعدما أظهرت العديد من أدوات الاصطناعي أنها قادرة على إنتاج أعمال فنية عالية الجودة، مما يثير أيضا العديد من التساؤلات حول الاختلافات بين الإبداع البشري والآلة.

وفي قلب هذه المناقشات، تكمن أسئلة أساسية حول طبيعة الهوية الإنسانية والإبداع، وكيف تتفاعل هذه الهوية مع أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تبدو قادرة على الإنتاج الإبداعي الشبيه بالإنسان.

وبالتالي، فمع استمرار تقدم تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي، فإنها تتحدى المفاهيم التقليدية حول معنى أن تكون إنسانا، وتجبرنا على إعادة النظر في الصفات الفريدة التي تحدد جنسنا البشري.

من جهة أخرى، أكد الباحثون، أنه بينما تشير هذه النتائج إلى أن إنتاج الأفكار الإبداعية قد لا يكون سمة تظهر فقط في الإنسان الواعي، فإنها تؤكد أيضا على الطبيعة الفريدة والمعقدة للإبداع البشري التي قد يكون من الصعب تكرارها أو تجاوزها بالكامل باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.

من جانبه، قال رايان بورنيل، أحد كبار باحثي معهد آلان تورينج، والذي لم يشارك في البحث: “إن إثبات أن الآلات يمكن أن تؤدي بشكل جيد في المهام المصممة لقياس الإبداع لدى البشر لا يثبت أنها قادرة على أي شيء يقترب من الفكر الأصلي”، بحيث إن روبوتات الدردشة التي تم اختبارها هي “صناديق سوداء”، مما يعني أننا لا نعرف بالضبط ما هي البيانات التي تم تدريبها عليها، أو كيف تولد استجاباتها.

وأضاف شارحا، في تصريحه لـ MIT Technology Review: “ما يحدث هنا هو أن النموذج لم يأت بأفكار إبداعية جديدة، بل كان يعتمد فقط على الأشياء التي يراها في بيانات التدريب الخاصة به، والتي يمكن أن تتضمن مهمة الاستخدامات البديلة هذه بالضبط”، وفي هذه الحالة، “نحن لا نقيس الإبداع. نحن نقيس المعرفة السابقة للنموذج بهذا النوع من المهام”.

وفي سياق العلاقة بين الإبداع البشري والآلة ومستقبل العمل الإبداعي في عصر الذكاء الاصطناعي، يقول مؤلفو الدراسة: “بينما نمضي قدما، يصبح من الضروري أن تستكشف الأبحاث المستقبلية السبل التي يمكن من خلالها دمج الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإبداع البشري وتضخيمه، وبالتالي تعزيز التفاعل الوثيق بين التكنولوجيا والإمكانات البشرية”.

تطور الذكاء الاصطناعي يخترق كل المجالات

إلى جانب النقاشات حول طبيعة الإبداع لدى كل من الإنسان والذكاء الاصطناعي التوليدي، يثير تطوير هذا النوع من الأدوات وإتاحتها على نطاق واسع العديد من الأسئلة والإشكالات الأخرى التي تتطلب مواكبة مستمرة.

تتعلق إحدى هذه الإشكالات الرئيسية بالتأثير المحتمل لتقنيات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل؛ فمع تزايد قدرة هذه الأنظمة على أداء المهام التي كانت في السابق من اختصاص البشر فقط، أثيرت العديد من المخاوف بشأن آثارها على آفاق التوظيف المستقبلية.

وفي مجال التعليم أيضا، انبثقت مجموعة من أسئلة حول الآثار الأخلاقية والتربوية لمثل هذه التقنيات، فضلا عن المخاوف المتعلقة بالكيفية التي قد تؤدي بها أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى تقليل مهارات التفكير النقدي.

من جانب آخر، تحظى التداعيات القانونية والأخلاقية للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي بقسط وافر من هذه النقاشات؛ فبما أن هذه الأدوات تنتج أعمالا متطورة بشكل متزايد، بما في ذلك المقالات والإبداعات الفنية، فإنها تثير مسألة ما إذا كان ينبغي منح المنتجات التي يولدها الذكاء الاصطناعي نفس الحماية القانونية مثل الأعمال التي ينشئها الإنسان.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى