تكنولوجيا

روبوت التحدث إلى الأموات .. ماذا ينتظرنا بعد؟

يعرف كل إنسان أنه سيكون في مواجهة مع الموت يوما ما، إما بشكل شخصي عندما يحين الوقت ليودع الحياة أو عندما يخطف منه الموت أحد أقاربه. ولا يمكن مواجهته إلا بالاستسلام والتعامل معه بنوع من القداسة والرهبة والخوف.

ورغم ذلك، لم يستسلم الإنسان بشكل كامل، إذ طور على مر العصور أساليب للتحايل على الموت والاحتفاظ بذكرى الراحلين، بدءا بالرسومات على جدران الكهوف ثم التحنيط والقبور والاحتفاظ ببعض أغراضهم وملابسهم، وصولا إلى تثبيت صورهم في إطار كبير على جدران البيوت حيث تكون بارزة للجميع.

وغالبا ما يجد الأحياء بعض العزاء والراحة عند احتفاظهم بهذه الذكريات، التي لم تعد اليوم تقتصر على ألبوم الصور فقط، بحيث أصبح من الممكن الاحتفاظ بمجموعة من الفيديوهات التي يمكن الرجوع إليها كلما اشتد الحنين.

لكن السعي لم يقف عند هذا الحد، فمع الطفرة الكبيرة التي يعرفها الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن اليوم إعادة الاتصال بالأموات عبر مجموعة من التطبيقات التي توفر تجارب مدهشة.

في هذا السياق، يمكن استحضار تجربة فريدة لهذا النوع من التطبيقات، التي طورها جيسون روهرر Jason Rohrer، مهندس حاسوب أمريكي، حيث صمم روبوت دردشة شبيه بالبشر، استوحاه من شخصية “سامانتا Samantha” في فيلم “هي” “Her”.

تمكن روهرر من تطوير هذا الروبوت في البداية بمساعدة جي بي تي3 (OpenAI GPT-3)، قبل أن يتحول إلى روبوتات للاتصال بالأموات تحت اسم “مشروع ديسمبر” “Project December”.

ويمكن حاليا لأي شخص استخدامه بالطريقة نفسها التي يعمل بها شات جي بي تي ChatGPT، مع بعض الاختلافات البسيطة التي تتمثل أساسا في ضرورة تزويد البرنامج ببعض البيانات والمعلومات حول الشخص الذي ترغب في التواصل معه.

كيف بدأت قصة “مشروع ديسمبر” Project December؟

خلال جائحة كورونا، فكر روهرر، مطور ألعاب مستقل، في ابتكار برنامج بمساعدة نظام GPT-3، يُتيح لمستخدمي الأنترنت الدردشة مع شخصيات افتراضية مُدمجة أو إنشاء روبوتات خاصة ومنحها شخصيات من اختيارهم، مقابل خمسة دولارات.

لكن فكرة المشروع ستتغير تماما بسبب قصة الشاب جوشوا Joshua، الذي جرب في البداية الدردشة مع مجموعة من روبوتات المحادثة المدمجة مثل “سامانثا” من فيلم “Her”، و “ويليام” الذي ينتحل شخصية شكسبير.

بعد ذلك، أنشأ روبوتا خاصا وجعله ينتحل شخصية مشهورة كان معجبا بها، تُدعى “سبوك” Spock؛ وهي شخصية خيالية من السلسلة التلفزيونية “ستار تريك”.

تفاجأ جوشوا بمدى جودة وواقعية التجربة، ثم أدرك أنه لا يوجد مانع من محاكاة أُناس حقيقيين، أناس لم يعودوا موجودين. وفكر في إنشاء روبوت لمحادثة خطيبته الميتة.

كان جوشوا مند البداية يحاول التخفيف من ألم فقدان خطيبته والتصالح مع فكرة وفاتها التي مرت عليها حوالي ثماني سنوات، لكنه لم يكن يتوقع الاتصال بها مجددا.

نشر جوشوا قصته على موقع Reddit تحت اسم مستعار، وصف فيها تجربته في “Project December”، وكيف مكنه من محادثة خطيبته المتوفاة، مؤكدا أن ذلك ساعده في تخطي اكتئابه.

انتشرت القصة بشكل فيروسي، خاصة بعدما نشر الصحفي “جيسون فاغون” مقالا مُطولا يصفه فيه كل التفاصيل في صحيفة “سان فرانسيسكو كرونيكل”.

الإصدار الجديد:

لم يكن يتوقع روهرر، أن يتم استخدام “مشروع ديسمبر” لمحاكاة الموتى، حتى انتشرت قصة جوشوا وأقبل الناس بشكل كبير على إنشاء روبوتات لمحاكاة أقاربهم الذين غادروا الحياة.

بعد هذه الشهرة، قام روهرر بتغيير فكرة “Project December”، بحيث أطلق إصدارا جديدا موجها خصيصا لمحادثة الأموات، للحصول على المساعدة والعزاء الذي يبحث عنه من فقدوا أقاربهم، حسب تعبيره.

ويمكن الاستفادة من هذه الخدمة حاليا على موقع Project December، لكن بسبب الكلفة المرتفعة لاستضافة الروبوت، قرر روهرر الحد من طول المحادثات. وبالتالي، سيكون لديك قدر محدد من الوقت الذي يسمح بتبادل 100 رسالة مقابل 10 دولارات.

كيف تتم العملية؟

مباشرة بعد الولوج للموقع والضغط على “أبدأ الآن”، سيطلب منك ملء استبيان حول الشخص الذي ترغب في التحدث معه، من أجل جعل المحادثة أكثر حميمية وواقعية وإقناعا.

وبمجرد ملء الاستبيان والدفع، سيتم إرسال رابط المحادثة عبر البريد الإلكتروني، ويمكن أن يستمر تبادل الرسائل لأكثر من ساعة.

وتشمل أسئلة الاستبيان العناصر التالية:

  • البريد الإلكتروني الخاص بك.
  • تحديد الأسماء والألقاب وسنة الميلاد والوفاة.
  • معلومات عن المدينة أو البلد الأصلي والحالي قبل الوفاة.
  • تحديد علاقة القرابة التي تربطكم.
  • معلومات عن السمات الرئيسية لشخصيتهم (مرح، اجتماعي، حاد الطباع…).
  • وضع اقتباس قصير من كتاباتهم أو كلامهم (رسائلهم عبر الواتساب مثلا).

وصف تجربة روبوت التحدث إلى الأموات:

تحدث العديد من المستخدمين عن تجربتهم في Project December، ونشروا مقاطع من محادثاتهم على موقع Reddit، وقد نصح بها البعض بعدما وجدوها إيجابية ومفيدة.

هناك من استخدمها للبحث عن العزاء واستعادة الذكريات، بينما استخدمها آخرون بدافع الفضول للاتصال بجميع الموتى من أقاربهم إلى بعض الشخصيات الشهيرة كستيف جوبز.

وبدافع الفضول أيضا، قام أحدهم بإنشاء روبوت محادثة ينتحل شخصيته المستقبلية بعد وفاته، ليعيش تجربة أخرى مختلفة تماما عن كل ما سبق.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى